الخميس، 12 ديسمبر 2019

ماذا يرى طفلك في الظلام؟


جمعية السينما الأميركية اختارت (ضمن أعظم عشر لقطات يصعب نسيانها في تاريخ السينما) لقطة الطفل كول في فيلم الحاسة السادسة وهو يقول لطبيبه النفسي: "أرى أشخاصا متوفين ".. I see dead people ..

ففي هذا الفيلم يسأله الطبيب النفسي عن سبب رعبه الدائم فيخبره أنه يرى دائما أشخاصا ميتين في أماكن وفاتهم الأولى (ثم يتضح أن الطبيب ذاته متوفى ويتحدث معه الطفل لأنه الوحيد القادر على رؤيته)!

.. وتم اختيار هذه اللقطة من خلال التصويت عبر الانترنت كونها ذكرت الناس بمخاوفهم أيام الطفولة.. فجميعنا كان يخاف من الظلام ويرى خيالات أشخاص يتواجدون معه في نفس المكان..

أنا شخصيا كنت أرى - بين الحين والآخر - امرأة ذات ابتسامة قبيحة وشعر أشعث تستقر دائما في زاوية الغرفة فأغمض عيني أو أتجاهل وجودها ببساطة..

وغالبا ما نفسر هذه الادعاءات بالوهم والخيال أو حتى كذب الأطفال؛ غير أن هناك آراء مغايرة تفسر هذه الظاهرة ك(كائنات حقيقية) يصعب علينا نحن الكبار رؤيتها أو سماعها كما يفعل الأطفال.. فمن المعروف أن حواس الأطفال تعمل على مستويات منخفضة بحيث يسمعون ذبذبات صوتية أقل، ويرون نطاقات طيفية أوسع يعجز عنها الكبار (وهذا بالمناسبة موجود لدى كثير من الحيوانات).. أضف لهذا مازالت عقولهم تعمل بعيدا عن قيود المعقول والمنطق وتبصر بالتالي ما يدخل عيون الكبار دون أن يروه فعلا - وهي حالة يثبتها قوله تعالى (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون)..

وهناك طبيبة في علم نفس الأطفال تدعى كارون جودي تؤكد أن ما يراه الأطفال حقيقي وصادق بنسبة كبيرة - ومن الخطأ تفسيره كخيالات وتوهمات وخوف من الظلام.. وتقدم في كتابها "الأطفال الذين يرون الأشباح" دلائل كثيرة ترجح هذا المعنى مثل اشتراك الأطفال في رؤية شخصيات محددة تتكرر باستمرار أو تتحدث معهم بذات الموضوع..

وكثير من الأطفال يملكون حتى سن معينة ما يمكن تسميته بالصديق الخفي أو Imaginary friend دون أن يعانوا فعلا من دوافع نفسية محرضة.. ورغم ان الشخصيات الخيالية يمكن تصنيفها اليوم بحسب جنس الطفل وظروفه المعيشية، إلا أنها تختفي غالبا بمجرد تغيير موقع المنزل أو غرفة الطفل (كدليل على ارتباطها بالمكان أكثر من الانسان).. وتقول جودي في كتابها "Kids Who See Ghosts" إن الأطفال حتى سن الرابعة لا يستطيعون تمييز الشخصيات الشبحية (حسب تعبيرها) فيتكلمون معها دون خوف ويتحدثون عنها كشخصيات حقيقية.. ولكن بعد ذلك السن يبدأون بفهم الفرق بين الشخصيات الحقيقية والشبحية فتبدأ مخاوفهم بالتشكل بين سن الخامسة والتاسعة.. وبعد سن التاسعة تبدأ موهبة رؤيتهم للأشياء الخفية تتضاءل، وحينها فقط قد يبقى خوفهم من الظلام لأسباب نفسية..

وبحسب الكتاب تأتي الشخصيات الشبحية بأشكال مختلفة أكثرها انتشارا شخصيات لطيفة بعمر الطفل نفسه (فيتخذها كصديق خفي يتحدث معه حين يخلو بنفسه).. أما أسوأها فشخصيات مخيفة تتضمن أشخاصا متوفين أو مشوهين (وهو الأمر الذي أثار ذكريات كثير من الناس حين اختاروا اللقطة السابقة من فيلم الحاسة السادسة)!

.. المطمئن في كلام الطبيبة جودي (التي كانت بدورها ترى رجلا صالحا يزورها كلما فعلت شيئا جميلا) هو تأكيدها بأن الطفل لا يصاب غالبا بأذى جسدي بسبب هذه الكائنات الخفية - كما نرى في أفلام الرعب..

فهي في النهاية كائنات شبحية غير مادية لا يمكنها التأثير علينا بطريقة فيزيائية - ولكن يبقى التأثير النفسي الذي يتطلب حنان الوالدين وتفهم الأطباء المتخصصين!

.. وكلامها هذا ذكّرني بمقال قديم تساءلت فيه كيف يمكن لمخلوقات خفية (خلقت من طاقة غير محسوسة أو مرئية) التأثير فيزيائياً على أجساد مادية صلبة وغليظة.. مثلي ومثلك!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...