الاثنين، 9 ديسمبر 2019

بريطانيا التي رسمتنا


أثناء تقليبي لمجموعة من الصحف القديمة عثرت على لقاء صحفي مع جاك سترو (وزير الخارجية البريطاني السابق) يعترف فيه بأن السياسة الاستعمارية لبلاده هي أساس المشاكل الحالية في الدول التي كانت تحتلها.. يعترف بأن سياسة المحاباة والتقسيم وزرع القلاقل هي سبب المشاكل الحالية في كشمير وفلسطين ونيجيريا وأوغندا والعراق وأفغانستان - ناهيك عن رسم حدود الدول العربية بشكلها الحالي..

فبريطانيا مثلاً هي التي منحت اليهود أرض فلسطين (من خلال وعد بلفور) وهي التي رفضت تسليم كشمير لباكستان (رغم أغلبيتها المسلمة) وهي التي منحت امتيازات اقتصادية وسياسية لإثنيات مختارة في الدول الأفريقية (تسببت لاحقاً في قيام حروب أهلية)..

أيضا جميعنا يعرف أن بريطانيا هي التي منعت توحيد الجزيرة العربية من خلال وجودها في محميات عدن وهرمز والشواطئ الخليجية.. كما أنها من أسس لحالة عدم الاستقرار المزمنة التي تعيشها أفغانستان والصومال والعراق - الذي قال عنه سترو إنهم رسموا حدوده بشكل مشوه بحيث يبدو ككراج كبير بباب صغير على الخليج..

والحقيقة هي أن بريطانيا لم تؤسس فقط لمشاكلنا الحالية، بل وتتحمل مسؤولية رسم حدود الدول العربية بشكلها الحالي (وتقسيمنا لمجتمعات منفصلة بلورت كل منها هويتها المستقلة).. فهي مثلاً من فصل العراق عن سورية برسم حدوده الغربية، وهي من منح الإيرانيين حدوداً مطلة على شط العرب، في حين لم تمنح الكويت (التي تفتقر للمياه العذبة) منفذاً عليه.. رغم قربها منه..

أيضاً بريطانيا هي التي رسمت الحدود بين مصر وليبيا، وبين مصر والسودان (الذي كان يتبع مصر منذ أيام محمد علي باشا) وتركت بينهما جيب حلايب للصراع عليه مستقبلاً..

كما بدأت بتشكيل حدود اليمن باحتلال جزيرة بريم في مدخل البحر الأحمر سنة 1799 ثم عدن عام 1839 ثم حمايتها لكامل السواحل الجنوبية حتى خمسينات القرن العشرين.. وبعد نجاحها في القضاء على النفوذين البرتغالي والهولندي في منطقة الخليج عقدت أول معاهدة حماية مع سلطان مسقط سنة 1798 ثم أخضعت كامل الساحل العماني لحمايتها بحلول1820.. ولم ينته القرن التاسع عشر حتى عززت نفوذها في الخليج العربي من خلال معاهدات حماية مع البحرين وقطر والكويت وإمارات الساحل الجنوبي..

كما حرصت على أن يكون شرق الأردن من نصيبها عند تقسيم مناطق النفوذ بين القوى الاستعمارية (في مؤتمر سان ريمو عام 1920) وأدخلته تحت إداراتها الكاملة سنة 1923.. حتى المغرب الذي كان خاضعاً للنفوذ الفرنسي لم يسلم من السياسة الاستعمارية لبريطانيا حيث قامت باحتلال مدينة طنجة الإستراتيجية ومنطقة جبل طارق لتمكينها من السيطرة على المضيق الاستراتيجي للبحر الأبيض المتوسط!!

.. والحقيقة؛ ان ما فعلته بريطانيا في عالمنا العربي (من تفرقة ورسم حدود) أمر لا يخفى على أحد ولم يعد مفيداً الاعتراف به متأخراً.. المؤسف فعلاً أن الدول العربية لم تنجح لاحقاً في تغيير مارسمه البريطانيون قبل نصف قرن.. لم تنجح جامعة الدول العربية في إزالة أو تعديل أي حدود استعمارية ساهمت (ليس فقط في خلق حدودنا الجغرافية) بل وخلق حدود ذهنية ونفسية وثقافية بيننا.. لدرجة أصبح ما يجري خارج أي دولة عربية أمراً لا يخص داخلها!

.. المدهش أن هذا هو حال بريطانيا - ليس فقط مع الدول العربية - بل مع دول كثيرة في قارات العالم الست.. ولأن مساحتنا شارفت على الانتهاء أحيلكم إلى مقال سابق تجدونه في جوجل بعنوان:

هل صحيح أن بريطانيا غزت تسع دول من بين عشر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...