الأحد، 8 ديسمبر 2019

لست على خطأ لمجرد اختلافك معي


تعلمت خلال مسيرتي المهنية أن الناس لا تختلف أو تتفق معك بحسب دقة المصادر التي توردها، بل بحسب اختلافك واتفاقك مع ما ألفوه ونشأوا عليه منذ الصغر (هل أنت معنا أم ضدنا)..

فمعظم الناس يعارضونك بلا تفكير حين تخالف ما تبنوه وصدقوه بصرف النظر عن الأدلة والمصادر التي تستشهد بها.. ف"مصادرك الصحيحة" يجدون لها مخرجاً سريعاً من خلال تجهيلك (أنت) أو نعتك بعدم الفهم أوالجراءة على التأويل أو ببساطة تجاهل أدلتك المنطقية والرد عليها بطريقة تبعد الآخرين عما طرحته أصلاً!!

والحكم على كُتّاب الصحف لا يبتعد عن هذه الآلية؛ فالناس تحكم على الكاتب ليس من خلال هل هو على صواب أم على خطأ، بل من خلال هل هو معي أم ضدي.. فالكاتب مهما أورد من مصادر وأدلة وأرقام، لا يمكنه الوقوف أمام ما تربى عليه الناس وسمعوه في البيت والمدرسة.. لهذا السبب يُصنف الكاتب في السعودية إما مطبلاً متملقاً، أو مارقاً متلوناً (لمجرد تبنيه رأياً مختلفاً أو مطالبته بدليل صحيح)!!

من السهل عليّ مثلاً كتابة مقال يتضمن قصصاً مكذوبة عن تلبس الجان بالإنسان (كون الجميع تربوا على تصديق هذا الادعاء والمزايدة عليه).. ولكن الحقيقة هي أنني عارضت هذه الفكرة في كتاب "من يعرف جنياً يتلبسني؟" رغم علمي المسبق بوجود من يصر على تلبس الشيطان به.. اعتمدت أساساً على عدم وجود دليل شرعي أو علمي أو طبي يؤكد هذا الزعم الذي يعود بالمناسبة إلى عصور ماقبل الإسلام.. اعترض معظمهم بسرعة وتلقائية دون أن يكلف نفسه عناء التحقق من الدليل أو القول بأنها حالة نفسية معروفة يمكن الشفاء منها وتدعى في علم النفس تعدد الشخصيات multiple personality disorder.. وحين طالبت بتقديم حديث أو آية صريحة تثبت التلبس قامت الدنيا ولم تقعد في حين لم أجد آية صريحة سوى (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) وقلت حينها إن هذه الآية تؤيد وجهة نظري لأن الشيطان فرد، والمس غير التلبس، والمعنى مجازي وليس حقيقياً وإلا أصيب به كل آكل الربا يوما!!

... خذ كمثال ثانٍ كل من يكتب أو يتحدث عن جواز كشف وجه المرأة هذه الأيام..

فترجيح هذا الرأي يعارض ماتربى عليه معظم السعوديين وبالتالي مهما أوردت من أحاديث (أخذت مباشرة من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم) كحديث أسماء، والمرأة سعفاء الخدين، والفضل ابن العباس، والحسناء من خثعم، والمرأة التي وهبت نفسها للرسول في المسجد، لن ينحازوا إليك ويتبنوا وجهة نظرك بل يحاولون إقناعك بموقفهم الذي يخالف بقية المسلمين في العالم ناهيك عن مخالفته لمواقف المصطفى صلى الله عليه وسلم..

.. وهنا تستغرب وتتساءل:

لماذا فشلت في إقناع أحد رغم صحة هذه الأحاديث؟.. لماذا لم يقتنعوا رغم أنها أُخذت مباشرة من أقوال وأفعال الرسول الكريم؟ لماذا يتجاهلون أن علماء التفسير اختلفوا ليس على تغطية الوجة بل على نوع الزينة التي لا مفر من ظهورها عليه في قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)؟

.. أرجو أن لا يعتقد أحد أن الهدف من مقال اليوم إثبات جواز أو عدم جواز تغطية الوجه أو دخول أو عدم دخول الجان في جسم الإنسان فهي أمور تجاوزتها من زمان.. كانت فقط مجرد أمثلة على (طبيعتنا البشرية) التي تتغاضى تلقائياً عن أي دلائل وحقائق وشواهد لا تتسق مع المرحلة التي تأسس فيها عقلنا الأولي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...