الاثنين، 9 ديسمبر 2019

كيف تختفي دون وفاة..؟!


أكثر من 2000 شخص يختفون كل عام في أميركا بلا أثر! ومقارنة ب 340 مليون مواطن يبدو الرقم صغيرا؛ ولكنه في الحقيقة لا يتعلق بحوادث الاختطاف أو الضياع أو الجريمة المنظمة بل بأشخاص بالغين اختفوا طواعية لبدء حياة جديدة.

فالشرطة الفيدرالية تملك معايير تحدد من يختفي بفعل فاعل أو باختياره الخاص.. فمن يختفي بفعل خارجي يعيش في بيئة عدائية، ويملك حوله أشخاصا يهمهم اختفاؤه، وتبدي عائلته شكها في اختطافه أو قتله - وربما وجود محاولات سابقة من هذا النوع.. أما من يختفي بإرادته فلا يعيش في بيئة عدائية، ولا يملك حوله أعداء - ولكنه في المقابل يملك مشاكل عاطفية أو مالية أو عائلية لا يمكن حلها سوى بالاختفاء الطوعي.

النموذج الأول يمثله جيمي هوفا زعيم الاتحاد العمالي الذي كانت له صلات مشبوهة مع المافيا قبل أن يختفي في ظروف غامضة عام 1975 ولا يعلم عنه شيئا حتى الآن.. أما النموذج الثاني فيمثله بيتر هيدسون المدير التنفيذي لشركة الكترونيات ميتشغان الذي باع منزله سرا، وصفى حساباته في البنوك، وألغى عناوينه وإيميلاته الإلكترونية، وأودع 3 ملايين دولار في حساب ابنته الوحيدة قبل أن يختفي تماما منذ عام 2006م.

وهيدسون نموذج لأشخاص يختفون بإرادتهم للتهرب من فضائح أو ضرائب أو علاقات عاطفية شائكة.. وفي بلد ضخم وحر كأميركا يسهل الاختفاء تحت اسم جديد وهوية مزيفة دون أن يهتم أحد بهوية الجار الجديد.

والعجيب أن حكومة أميركا نفسها تملك برنامجا لإخفاء (من يهمها اختفاؤهم) وطمس هوية من تصبح حياته في خطر.. وهو "برنامج لحماية الشهود" يسمح باختفاء الأفراد الذين ثبت تهديدهم أو احتمال اغتيالهم بسبب شهادتهم أو مشاركتهم في كشف الجرائم الخطيرة.. وبدأت فكرة البرنامج عام 1967 حين اعتقلت الشرطة رجلا من المافيا يدعى باربوزا مع ثلاثة من أصدقائه.. وفي حين خرج الأصدقاء بقي باربوزا في السجن بانتظار دفع الكفالة (التي طلبها من زعيم المافيا رايموند باترياركا).. غير أن باترياركا بدل دفع الكفالة قتل أصدقاءه الثلاثة فأدرك باربوزا أن دوره سيحين فور خروجه من السجن. وهكذا عرض على الشرطة فضح المافيا والشهادة ضد باترياركا بشرط حماية أسرته خارج السجن.

وبالفعل وافقت السلطات ووضعت حراسة مشددة لحماية أسرة باربوزا وظلت تنقلهم من مكان لآخر طوال عامين استغرقتها المحاكمة. وبعد تفكيك العصابة وإدانة زعيمها باترياركا بقيت مشكلة حماية باربوزا وعائلته من الانتقام.. وحينها اقترح أحد المحامين منح كافة الشهود أسماء جديدة وهويات مزيفة ونقلهم الى منطقة لا يعرفهم فيها أحد.

وفي عام 1970 تحول الاقتراح إلى قانون يمنح الشهود أسماء وهويات مزيفة مع ضمان العمل وتوفير السكن في منطقة جديدة تماما!!

وحتى عام 2013 شجع البرنامج المواطنين على تقديم شهادات كشفت عن أكثر من 16000 جريمة وقضية (في حين اختفى تحت جناحه 7700 شاهد و9400 من أفراد عائلاتهم بما فيهم عرب ومسلمون شهدوا ضد تنظيم القاعدة وخلية الشيخ عمر عبد الرحمن في نيويورك). وفي حين لم يتعرض للاغتيال أي شاهد انضم للبرنامج، تم اغتيال 30 شاهدا اختاروا الخروج منه والعودة الى حياتهم السابقة - بما فيهم باربوزا الذي اغتيل فور عودته الى نيويورك بعد ست سنوات!!

العجيب أيها السادة أن هناك كتبا كثيرة تعلم (الراغبين في الاختفاء الطوعي) كيفية فعل ذلك من خلال محوا بصماتهم الإلكترونية، وتغيير وثائقهم الرسمية، وترك دلائل زائفة خلفهم.. وفي حال خطرت لك الفكرة يوما أرشح لك الكتاب التالي من موقع أمازون:

How to Disappear: Erase Your Digital Footprint, And Vanish Without A Trace

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...