الاثنين، 9 ديسمبر 2019

مذكر لغوياً.. ومؤنث مزاجياً


حين رزقني الله بفتاة جميله قبل 15 عاماً أسميتها "رسيل" بعد بحث طويل في معاجم الأسماء واللغة.. وقد أفادني البحث ذاته فكتبت مقالا بعنوان "اسم البنت" ساهم في انتشار الإسم ذاته (دليلي على ذلك ندرة العثور على فتاة تحمل هذا الاسم وتفوق فتاتي عمراً)..

ورغم صعوبة اتفاق النساء على شيء اتفقت نساء عائلتي على جمال الاسم وتفرده ولم يعترض عليه أحد.. ومن حسن الحظ أن أحدا لم يتنبه الى أنه اسم مذكر (على وزن فعيل وكفيل وحليم وفهيم ورحيم) وأنه يطلق أساساً على حامل الرسائل المغلوب على أمره (رجل رسيل).. وحين تنبهت شقيقتي الكبيرة لاحقاً لهذه المغالطة هددتها بكشف ملابسات اسمها المذكر بدوره "أمل"!!

... وقبل أن أتهم بالتزوير والخديعة أشير الى قضيتين مهمتين:

الأولى فهو أن للرسيل معاني أخرى جميلة (غير الرجل المرسول) أبرزها الهواء العليل، والنسيم البارد، والماء العذب المنساب من أعلى الجبال!!

والثاني أن العرب لم يترددوا في إطلاق الأسماء المذكرة على الإناث حين يغلب جمال الاسم على تركيبته المذكرة.. لم يترددوا في إطلاق أسماء مذكرة على بناتهم مثل: نور وأمل وصباح وقمر ووسام وشرف ونجاح وسماح وإحسان وجمال وبشرى وإلهام وعصمت وعفت (ولعلكم تذكرون مدرسة المشاغبين حين يقول الناظر للمعلمة الجديدة ولابس كدا ليه ياعفت؟ فتقول مصححة: عفت وحدة ست معاها ماجستير فلسفة)!!

.. كما لم يترددوا بفعل العكس وإطلاق الأسماء المؤنثة حتى على قبائل شرسة يتغلب طابعها الذكوري على مسماها الأنثوي (كقبيلة ربيعة وخزاعة وجهينة وبجيلة)!!

وفي المقابل يمكن لنفس الأسماء السابقة أن تطلق على الذكور (كونها مذكرة في الأصل) ويحملها حتى يومنا هذا عدد كبير من الفنانين والمشاهير والأدباء- مثل الشاعر أمل دنقل، والفنان السوري صباح فخري، والنجم المصري نور الشريف..

وخلال النضال الفلسطيني والمد القومي العربي ظهرت أسماء وشعارات كثيرة تسمى بها الذكور والإناث على حد سواء مثل: كفاح وجهاد ونضال وحماس وحنين وجيفارا وجمال (الذي حمله كثير من العرب والمصريين بعد وفاة الزعيم المصري جمال عبدالناصر)!!

ولعلك لاحظت أنني أوردت كلمة "العرب" في هذا المقال بصيغتي المذكر والمؤنث وكلاهما صواب.. ف"العرب" ليست مؤنثاً حقيقياً (مثل فاطمة ومها) بل مؤنث مجازي (مثل مدرسة وشمس) وبالتالي يجوز تذكير الفعل وتأنيثه معها.. وحين نقول "قالت العرب" نعني بذلك غالباً القبائل والشعوب، وحين نقول "قال العرب" نعني بذلك الناس والبشر..

ومايسهل مهمة التشارك بين الأسماء المذكرة والمؤنثة أن اللغة العربية ذاتها تحمل صيغاً وألقاباً مشتركة بين الجنسين (ظهرت زمن الأمويين والعباسين والعثمانيين خصوصاً).. خذ كمثال سيادة وفخامة ومعالي ودولة التي تسبق أسماء النساء والرجال على حد سواء.. وكان الناس في العراق والشام ينادون الرجل والمرأة ب"ياسيدي" التي أخذها منهم الأسبان ثم الأوربيون الذين أصبحوا ينادون الجنسين بذات الصيغة "ميوسيت"...

ولا أتذكر أن "السيدة عفت" حصلت في نهاية المسرحية على درجة (أستاذ مشارك).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...