لا يمكنك أن تدعي الذهاب إلى بكين دون أن تمر بسورها العظيم..
لا يمكنك أن تسير في شوارع الصين دون أن ترى أهلها يشربون ألفي نوع من الشاي كما رأيت بنفسي في كل مكان...
لهذا السبب؛ حين عدت من جولتي الكبيرة في الصين (عام2011) كتبت مقالاً قلت فيه:
... والآن تأكد لي أن ماركو بولو لم يصل إلى الصين كونه لم يتحدث عن شيئين لا يمكن لعين المسافر تجاهلهما هناك: سورها العظيم.. والشاي الأخضر..
والحقيقة هي أن الأوروبيين أنفسهم كانوا يصفون كتاب ماركو بولو "بموسوعة المليون كذبة" كونها تتضمن أعاجيب يصعب تصديقها (مثل رؤيته لصخور ناطقة، ورجال بعدة رؤوس) وأعاجيب صعب عليهم تصديقها في ذلك الوقت (مثل إدعائه أن الصينيين يتعاملون بأوراق نقدية يفضلونها على الذهب والفضة)!!
... أنا شخصياً حين قرأت قصة ماركو بولو في طفولتي كنت أظنه شخصية خيالية.. غير أنه "شخصية حقيقية" رافق في طفولته والده وعمه (وكانا تاجرين كبيرين) في رحلة طويلة شملت المشرق العربي وإيران والهند وسومطرة والصين.. وفي الصين استدعاهم حاكمها العظيم قوبلاي خان للتعرف على عادات الغرب وتقاليدهم.. وبعد عشرة أعوام كاملة (وتحديداً عام 1270) عاد الثلاثة إلى إيطاليا وفي جعبتهم الكثير من القصص المدهشة والأخبار العجيبة..
وبعد سنتين عاد ماركو إلى الشرق سالكاً طريقاً طويلاً ومختلفاً ووصل إلى بكين بعد أربع سنوات. وهذه المرة تم تعيينه مستشاراً في بلاط قوبلاي خان وحاكماً لإحدى المدن لمدة 17 عاماً (حسب كلامه). وحين عاد إلى إيطاليا لم يكن في نيته كتابة رحلاته، ولكنه شارك في معركة صغيرة بين مدينتي البندقية وجنوة فتم أسره وزجه في السجن.. وهناك كان يحدث السجناء بقصصه وبدأ زميل له يدعى رستيشيللو بكتابتها في موسوعة ضخمة انتشرت في كامل أوروبا..
.. وحسب علمي أول من فند ادعاءاته بطريقة منهجية هي المؤرخة "فرانسيس وود" رئيسة القسم الصيني في المكتبة البريطانية.. فبعد خمسة عشر عاماً قضتها في دراسة رحلة ماركو بولو توصلت الى القناعات التالية:
انه لم يزر الصين ولم ير سورها العظيم (ووصل في أفضل الظروف إلى سواحلها الجنوبية)!
انه ادعى رؤية أشياء خرافية نقلها عن أساطير المشرق العربي (كالعنقاء وبساط الريح والشياطين ذات الرؤوس المتعددة)!
انه وصل لبلاد فارس، وهناك سمع عن الصين وحاكمها قبلاي خان (بدليل أن أسماء المدن الصينية في مذكراته مكتوبة بحسب نطقها الفارسي)..
ان الطريق الذي ادعى السير فيه ليس هو الطريق المعروف بطريق الحرير؛ بل كان متعرجاً بشكل مضحك لم يسلكه أحد قبله ولا بعده!
ان سجلات المدينة التي ادعى حكمه لها (أثناء وجوده بالصين) تشير إلى وجود حاكم غيره في نفس الفترة!
والأهم من هذا كله أن الشخص الذي أملى عليه رحلته أثناء وجوده في السجن (رستيشيللو) كان روائياً مغموراً سبق أن اختلق قصصاً خيالية عن شخصيات مشهورة كيوليوس قيصر والملك آرثر؛ وبالتالي من غير المستبعد أن يكون قد اختلق معظم ما جاء في "موسوعة المليون كذبة"!
... ورغم كل هذا؛
أنا شخصياً لست ناقماً على ماركو بولو كوني استمتعت بقراءة سيرته في طفولتي...
... ويمكن قول الشيء نفسه عن أنيس منصور وكتابه "أعجب الرحلات في التاريخ"...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق