الخميس، 12 ديسمبر 2019

القصة التي لا نمل سماعها


قد لا أكون محباً للروايات الأدبية ولكنني عاشق للأفلام السينمائية..

وهذا ليس سيئاً بحد ذاته كون الأفلام السينمائية تجمع بين الرواية والسيناريو والموسيقى ومهارة الأداء (وكافة الفنون السابقة لها) حتى دعيت بالفن السابع..

ومن خلال مشاهدتي لعدد كبير منها لاحظت اشتراك معظمها الأكشن على وجه الخصوص في وجود بطل وصاحب رسالة نتعاطف معه حتى النهاية.. نقف في صفه كونه رجلاً شريفاً ينهض من الصفر ويتغلب على أشرار أقوى منه بكثير.. نرى فيه أنفسنا دون أن نعي ذلك فعلاً ونتبنى من خلاله صفات ومهارات لا نملكها..

... وتبدأ القصة غالباً برجل شريف أو مسالم يوضع في موقف يجبر فيه على الدفاع عن نفسه أو المظلومين حوله (مثل المزارع وليام والاس في فيلم القلب الشجاع الذي قاد المقاومة الاسكتلندية ضد الاحتلال الإنجليزي).. قد يكون غاضباً أحياناً (مثل سلسلة رامبو) وحكيم أحياناً (مثل عمر المختار) ومتعجرف أحيانا أخرى (مثل أبطال جيمس بوند) ولكن جميعهم في النهاية يسعون للقضاء على رجل شرير يسعى لتدمير حياة الناس...

... قصة من هذا النوع لا نمل سماعها ورؤيتها وقراءتها وكنا نطلب من جداتنا تكرارها حين كنا أطفالاً صغاراً.. مغامرة مشوقة تعتمد على ما يسميه النقاد "رحلة البطل" يتعلم صياغتها بوجوه جديدة طلاب الآداب وكتاب هوليود..

ويعتقد علماء النفس أن مصدر التشويق في رحلة البطل تكمن في رغبتنا المسبقة في أن نكون مكانه ونفعل مثل أفعاله.. وبسبب هذه الرغبة اخترع العامة الأساطير، ودونوا المبالغات، ومجدوا شخصيات مشكوكاً بوجودها (مثل الزير سالم، والملك آرثر، وسيف بن ذي يزن).. فحين تراجع أساطير المجتمعات (رغم انعزالها الجغرافي واختلافها الثقافي) تكتشف قصصاً مشتركة تنتهي دائماً بانتصار البطل وهزيمة الشرير واستعادة المظلومين حقوقهم.. لا يهم إن كان البطل شخصية حقيقية (مثل أنبياء بني إسرائيل) أو خيالية (كالإله راما في الثقافة الهندوسية) أو خليطاً بين الحقيقة والخيال (مثل شخصيات هرقل وهيلوس وأخيل في الأساطير اليونانية).. المهم أن البطل ينتصر في النهاية ويصبح مثلاً يحتذى وأسطورة تتناقلها الأجيال!

... ولعل أفضل من حلل أسطورة البطل هو الكاتب الأميركي جوزيف كامبل في كتابه "بطل بألف وجه".. فنفس البطل يظهر بوجه جديد في أزمنة تاريخية ومواقع جغرافية مختلفة.. يبدأ متخبطاً أو تائهاً حتى يتلقى عوناً خارجياً من حكيم أو ساحر أو روح خارقة ترشده إلى هدفه الجديد.. ففي الأساطير اليونانية مثلاً يأتي الإرشاد من الإله هرمس، ولدى الفراعنة من الحكيم رع أو الإله إبيس، ولدى الرومان من الإله ميركوريوس، وفي المسيحية من الروح القدس، وفي الأساطير الآسيوية من روح الأسلاف أو التنانين المقدسة...

وغالباً ما تكون هناك مرحلة أولى يتجاوزها البطل ويتعرف من خلالها على نفسه ويصبح أكثر ثقة برسالته.. ثم تأتي المرحلة الثانية حيث تفاصيل المغامرة والتغلب على عقبات الصعود.. ثم تأتي الخاتمة حيث ينتصر الخير ويختفي الشر ويعم السلام ثم يموت البطل ويتحول إلى أسطورة تتناقلها الأجيال ويضيف إليها التاريخ المزيد من النكهات!!

... هذه هي "القصة التي لا نمل سماعها" وكل ماعليك فعله الآن هو الإمساك بالورقة والقلم ومحاولة الخروج بوجه جديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...