قرأت في صحيفة الشرق الأوسط تقريرا بعنوان "انتشار معاهد العباقرة في الهند وتدريبهم يبدأ في أرحام أمهاتهم"!!
ويتحدث التقرير (الذي نشر يوم الاثنين الماضي) عن قناعة الهنود بإمكانية تنمية ذكاء الطفل وتهيئته للعبقرية وهو مايزال جنينا في بطن أمه.. فرغم انتشار هذه الفكرة في المجتمعات الغربية؛ إلا أن قناعة الهنود بها تعود الى ثلاثة آلاف عام (بفضل ملحمة مهابهارتا التي تتحدث عن بطل يدعى أبهيمانيو يعرف سرا خطيرا بفضل والده أرجون الذي أخبر أمه بهذا السر وهي حامل به)!!
... ومن المعروف طبيا أن الجنين يمكنه فعلا سماع نبضات قلب والدته والأصوات المحيطة بها أثناء فترة الحمل.. كما يمكن لعينيه تمييز الأضواء والظِلال ولعضلاته التجاوب من خلال الركل والحركة.. وفي الهند توجد مراكز كثيرة (ذكر التقرير أسماءها) تعلم الزوجين كيفية حث جنينهما على التجاوب مع المؤثرات الخارجية وبطريقة تهيئه للتفوق في مجالات كثيرة، بدءا بالموسيقى والرسم وانتهاء بالرياضيات والحاسب الآلي!!
... ومن خلال هذا التقرير يمكننا الذهاب في اتجاهين لإنهاء هذا المقال:
الأول: البحث في الادعاءات القائلة بإمكانية تعليم الطفل شيئا خلال فترة الحمل (علما أن تغذية الأم خلال هذه الفترة أصبح حاسما في تحديد مستوى الإنسان الذهني من ولادته وحتى وفاته).
والاتجاه الثاني: تمتع الدول الكبيرة (كالهند والصين وأميركا واندونيسيا) بفرصة ظهور أعداد أكبر من العباقرة؛ عطفا على الأعداد الهائلة للطلاب فيها!!
... ولأن مساحة المقال لا تكفي الاثنين قررت تأجيل الفكرة الأولى الى مقال قادم؛ في حين لا أعتقد أن الهند بحاجة لتعليم أطفالها شيئا خلال مرحلة الحمل عطفا على امتلاكها أعدادا هائلة من الطلاب الصغار.
فأعداد الطلاب الهائلة في الهند تمنحها فرصة ظهور العباقرة بنسبة أكبر من دول متقدمة (ولكن صغيرة) كالسويد والنرويج والدنمرك ونيوزلندا.. فرغم الفقر الكبير بين السكان، ورغم تواضع نظامها التعليمي، ورغم النقص الحاد في المدارس والإمكانات؛ إلا أن أعداد الطلاب "المتفوقين" في الهند يفوق مجموع الطلاب "العاديين" في فرنسا وألمانيا بل ودول اليورو مجتمعة.
ويكمن السر في وجود (قانون إلهي) يمنحنا طفلا خارق الذكاء من بين كل عشرة أو عشرين أو حتى مئة مولود جديد.. فحين يولد في قرية ما 100 طفل يوضع 70 منهم تحت خانة الذكاء العام والمعتاد، في حين يعاني 15 طفلا من الغباء والتخلف، ويتمتع 15 طفلا بمظاهر الإبداع والتفوق والذكاء الخارق.
وبما أن عدد سكان الهند يفوق سكان الدول الأوروبية، وبما أن الطالب الذكي يتفوق مهما تواضعت بيئته التعليمية؛ أصبحت الهند تملك من الطلاب العباقرة (من فئة ال15 الأخيرة) ما يفوق مجموع الطلاب في الدول الأوروبية المتقدمة!!
... ولاحظ أننا نتحدث حتى الآن عن معادلة تتعلق بالتفوق الكمي أو العددي، وبالتالي تصور ماذا سيحصل في العقود القادمة حين ترتفع نوعية التعليم في الهند وتصل إلى مستوى اليابان والسويد وفنلندا (بحيث يجتمع التفوق العددي مع التفوق النوعي).
... ولفهم الفكرة بشكل أفضل دعنا نذهب إلى الصين (حيث يوجد 1,36 مليار انسان) أو أميركا (حيث يوجد 318 مليون انسان).. ففرصة ظهور العباقرة في هذين البلدين يصبح محتما (ليس لأن الله خلقهم من طينة مختلفة) ولكن بفضل اجتماع التفوق الكمي مع التفوق النوعي.. فالمعادلة الهندية تنطبق بشكل أفضل على الصين وأميركا كون النظام التعليمي فيهما أكثر تطورا من الهند وبالتالي يجمعان بين الكم والنوع وهو ما يفسر تفوق أميركا في جوائز نوبل، وكثرة العلماء الصينيين في جامعات العالم!!
... وفي حين تحول التفوق العددي في أميركا والصين (والهند قريبا) إلى تفوق نوعي وميزة نسبية، يتكاثر العرب كغُثاء السيل ويتحول تضخمهم العددي إلى تراجع نوعي وعبء تنموي وأرقام إضافية تؤجج صراعاتهم التاريخية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق