الخميس، 12 ديسمبر 2019

مشكلة الأرض


الأرض كوكب زاخر بالمياه بطريقة تصعب على الفهم.. يصعب أن تجد مثيلا له في الكون من حيث كثرتها وسيولتها ودورتها الطبيعية..

غير أن كوكب الأرض يملك مشكلة عويصة ومفارقة فريدة من نوعها.. فرغم مظهره الأزرق يعاني من ندرة المياه العذبة وعجز معظم مخلوقاته من جهة أخرى عن الاستفادة من هذا المخزون الضخم..

فالمياه المالحة تشكل 97،25% مقابل 2،75% للمياه العذبة فقط..

ومن هذه المياه العذبة هناك 2% يصعب الحصول عليها كونها متجمدة في القطبين..

وبهذا لا يبقى للبشر (ناهيك عن الشجر والنباتات والمخلوقات البرية والغابات الاستوائية) سوى ثلاثة أرباع "واحد بالمئة".. ومن هذه النسبة هناك 0،68% مياه جوفية يمكن الحصول عليها بحفر الآبار العميقة.. أما البقية فتوجد في البحيرات والأنهار التي ليس لأبناء الجزيرة العربية فيها حظ أو نصيب (ويتنامى الأسف حين نجد 370 مليون كيلو متر مكعب من مياه الأمطار العذبة تعود للبحار المالحة دون أن نتمكن من اصطيادها).

والآن تصور معي لو كانت بحار العالم بدون ملح؟

تخيل لو كانت كُلية الانسان قادرة على تصفية ما يزيد على 3% من نسبة الملح (الموجودة في مياه البحر)!؟

تخيل لو كنا مثل مخلوقات بحرية كثيرة تستخلص الماء العذب من الماء الأجاج وتلفظ الملح مع البول!!

لا تستغرب كثيرا فهناك مخلوقات صحراوية كثيرة (بما فيها الجمل) يمكنها شرب الماء المالح بفضل "كلاوي" يمكنها تصفية ما يزيد على هذه النسبة..

والمفارقة المؤلمة أكثر؛ أن حاجز الملح يتعاظم في المناطق الجافة والأكثر احتياجا للمياه.. فالجزيرة العربية مثلا من أكثر مناطق العالم جفافا وتطل على البحر الأحمر أكثر بحار الأرض ملوحة.. وفي المقابل فنلندا والسويد بلدا الأنهار وآلاف البحيرات العذبة تطلان على بحر البلطيق أحد أكثر مياه العالم عذوبة وصفاء (بسبب قلة التبخر وتلقيه كميات هائلة من مياه الأنهار)..

وفي حين تعاني كثير من أراضي العالم من الجفاف والتصحر ترزح جرينلاند تحت غطاء ثلجي سميك وتتبختر جبال الجليد قرب القطبين - في حين تملك كندا مياها عذبة تكفي قارة أفريقيا أجمع..

وجبال الجليد بالمناسبة تبلغ من الضخامة أن واحدا منها يكفي السعودية لمدة شهر من المياه.. وأذكر أن هناك خطة قديمة لدراسة إمكانية سحب أحد الجبال القطبية إلى سواحل المملكة للاستفادة منه، ولكن تكلفته الاقتصادية المرتفعة، والاستعمال الواسع للمياه المحلاة ألغيا تماما إمكانية تنفيذ مشروع كهذا..

غير ان هناك شركات كثيرة (معظمها من الدول الاسكندنافية) تحقق اليوم أرباحا كثيرة من خلال نقل المياه العذبة للدول الجافة.. خذ كمثال شركة "Nordic supply water" المدرجة في بورصة وارسو منذ عام 1998 وتعمل على تصدير المياه من خلجان النرويج.. وهي تستخدم طريقة رخيصة نسبيا لنقل المياه من خلال حاويات بلاستيكية طويلة تشبك ببعضها البعض بحيث تبدو كسلسلة سجق ضخمة.. وبهذا الطريقة لا تحتاج الى سفن أو صهاريج ضخمة ولا يمكن للأكياس أن تتمزق في عرض البحر (وأدخل اسم الشركة في محرك جوجل لرؤيتها).. وسبق لهذه الشركة أن قدمت مياها للمكسيك وإيران وشمال قبرص وجزيرة يوكوتان في حاويات بلاستيكية تستوعب ما بين 50 الى 100 ألف طن من المياه العذبة!!

.. كل هذا يثبت أن المشكلة الثانية (التي تواجه البشر بعد ملوحة البحر) هي سوء توزيع المياه العذبة على كوكب الأرض ذاته.. وفي ظل إسرافنا الحالي (نحن سكان الجزيرة العربية) قد لا نجد أمامنا مستقبلا غير زرع كلية ثالثة أو تهجين محاصيل تسقى من ماء البحر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...