الاثنين، 9 ديسمبر 2019

عقلي أم نفسي


هناك فرق بين المرض النفسي والخلل العقلي قد لا يدركه غير الطبيب المختص.. لم يتم التفريق بين المشكلتين إلا متأخراً في حين مايزالا في عرف الناس شيئاً واحداً يتم اختصاره بكلمة "مجنون".

... في الماضي القديم كان يتم فتح جماجم المرضى (كما يتضح من الهياكل المتحجرة) لفتح طريق تخرج منه الأرواح الشريرة من جسم المريض.. واليوم مازلنا نفعل ذلك من خلال ضرب المريض والتنكيل به بدعوى ضرب الجني المتلبس فيه فنزيد من هياجه وتفاقم حالته النفسية (وكل من ذهب بمريضه لأحد الدجالين يتفق معي في انتكاس حالته بعد كل زيارة)..

ومقالي اليوم يهدف لزيادة الوعي وتوضيح الفرق الكبير والمهم بين المريض النفسي والمريض العقلي..

فالمريض العقلي يعاني من عطب أو خلل في مادة الدماغ ذاته، في حين يعاني المريض النفسي من ضغوط وظروف تسببت في انتكاس حالته الصحية (دون أن تضرر مادته الدماغية)..

والحقيقة هي أننا جميعنا عانينا من مستوى معين من الاضطرابات النفسية تسببت لنا ذات يوم بالاكتئاب أو القلق أو الإدمان أو الانفعالات السلبية أو الهوس بفكرة معينة..

غير أن مجرد إدراكك وتذكرك لهذه الحالات يؤكد أنك لست مختلاً عقلياً لأن المريض النفسي يدرك وضعه جيداً ويقبل العلاج زيارة الطبيب، بينما المرض العقلي لا يدرك أنه مريض أصلاً ويرفض الذهاب معك لأي مكان (بل قد يراك أنت المريض ويحتاج دماغك إلى إعادة ضبط)!!

هذا الفرق هو ما يساهم في شفاء المريض النفسي (كونه يطلب الشفاء ويقبل بالعلاج) في حين يظل المريض العقلي غالباً على حاله أو يعيش على عقاقير دائمة تعوض نقصه الدماغي!!

وحتى قبل مرحلة الشفاء الدائم لا يشكل المريض النفسي (غالباً) خطورة على نفسه ومجتمعه ويستطيع العيش مع أسرته، في حين قد يتسبب المريض العقلي بخطورة على حياته ومجتمعه وأفراد أسرته دون أن يدرك فداحة فعلته..

ولاحظ أنني وضعت كلمة (غالباً) بين قوسين كون هناك حالات نفسية استثنائية ومتقدمة تعد خطيرة على نفسها وعلى غيرها مثل الوسواس القهري والاكتئاب العميق - لدرجة قد تصل للانتحار أو أذية الغير.. ولكن حتى حين يفكر المريض النفسي بالانتحار أو أذية الغير يدرك ما يفعله، بعكس المريض العقلي الذي قد يري ويسمع أشياء غير حقيقية (مثل وحوش تنوي التهامه أو جيوش تنوي اعتقاله) فيدافع عن نفسه بقتل من يقف أمامه أو يهرب قافزاً من النافذة أو راكضاً أمام السيارات..

وفي حين يحاول المريض النفسي التغلب على وسواسه (حين يسمع زوجته تتحدث سراً بالهاتف) فيتعوذ من الشيطان أو يقنع نفسه بأن الظن إثم؛ يشك المريض العقلي بزوجته ووالديه وأبنائه ويقتنع أنهم يدبرون مكيدة ضده (كالاتفاق على قتله أو التبليغ عنه) فيصبح خطيراً بالفعل!!

... وأخيراً؛ من المهم الإشارة إلى أن من يدعون النبوة أو تلقي وحي من السماء أو يتقمصون شخصيات موعودة مثل المهدي المنتظر أو المسيح الدجال هم غالباً مرضى عقليون على قناعة بما يسمعون ويرون ويوحى إليهم.. فهم بعكس المرضى النفسيين لا يدركون مدى اختلالهم ولا خطورة إدعاءاتهم وبالتالي لا يشكون لحظة في صدق رسالتهم وصحة موقفهم الأمر الذي يفسر صلابتهم وثقتهم بأنفسهم...

... وأبحث في النت عن مقال بعنوان: "أصوات إلهية أم هلوسة ذهنية"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...