الاثنين، 9 ديسمبر 2019

على قدر أهل الحزم تأتي الطلائع


السعودية دولة لا تتدخل في شؤون أحد ولكنها لا تقف ساكنة حيال ما يهدد أمنها أو حدودها الخارجية.. لا تلجأ للضجيج والتهديد الأجوف؛ بل تعمل بصمت ونفس طويل ودبلوماسية هادئة وحين تستنفد كافة الحلول تضرب بقوة وبطريقة غير متوقعة.. فخلال الأشهر الماضية بدت للعالم وكأن مايحدث في اليمن لا يعنيها، في حين كانت تبني بصمت تحالفاً سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً ضد عصابات الحوثيين وأسيادهم في إيران.

غير الطبيعي هو أن تتجاهل السعودية مايحدث في اليمن والمضحك فعلا أن يعتقد البعض عجزها عن فعل شيء حيال ما يُحاك على حدودها الجنوبية..

فالسعودية ليست فقط دولة قوية بجيشها وتماسكها الداخلي، بل وأيضاً بوزنها الدولي وعلاقاتها الدبلوماسية.. ندرك ذلك من خلال تأييد أمريكا وتركيا وباكستان ومصر والمغرب ودول كثيرة أخرى لخطوتها العسكرية الأخيرة.. ندرك ذلك لأنه تقف معها دول شقيقة وصديقة أيدتها سياسياً وأعلنت استعدادها لمشاركتها عسكرياً بمجرد أن تطلب منها ذلك.

نأتي الآن إلى الحوثيين الذين غرهم حلم السعودية ولم يستوعبوا الحكمة القائلة "اتق شر الحليم إذا غضب".. تجرأوا قبل ذلك على التسلل لأراضيها، وفرضوا سيطرتهم الكاملة على محافظة صعدة المتاخمة لحدودها الجنوبية.. باعوا بلادهم لإيران وبدأوا بمراكمة أسلحتها الثقيلة على الحدود السعودية.. استسلامهم للرعاية الإيرانية حوّل قياداتهم العسكرية من المذهب الزيدي المعتدل إلى المذهب الاثني عشري الذي كان يرفضه الزيديون قبل ظهور الحوثي.. فأتباع المذهب الزيدي مثلاً لا يؤمنون بتوريث الإمامة (وهذا عكس ما يفعله الحوثيون) وليس لهم مواقف عدائية تجاه الخلفاء الراشدين، ويعتبرون أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب من خيار الصحابة، ولا يعارضون الصلاة خلف إمام من السنة، ولا يقرون زواج المتعة، ولا يمارسون التقية، ولا يقدسون القبور والأضرحة (ولكن كل هذا بدأ بالتغيير منذ استسلم الحوثي للنفوذ الإيراني)!

ومع هذا أتى التحرك السعودي الأخير عطفاً على وجود تهديدات جغرافية ومؤشرات عسكرية واضحة.. فالسعودية تدرك مثلاً أن التحرك الحوثي ليس سوى تمدد إيراني جديد.. وتعرف جيداً أن سفن الأسلحة القادمة من طهران تذهب إلى محافظة صعدة المتاخمة لحدودها الجنوبية.. وتدرك أن التأثير الطائفي الإيراني يحاول تطويقها من الجنوب بعد أن بسط سيطرته في دول الشمال.. كما تدرك أن انهيار الشرعية في اليمن سيحول اليمن ذاته إلى ساحة خراب تعيث فيها القاعدة وداعش والمنظمات الإرهابية بمختلف مسمياتها وأول من سيعاني من ويلات وجودها الشعب اليمني الشقيق.

ولأن الحكومة الشرعية اليمنية (الممثلة بالرئيس هادي) تدرك ذلك أيضاً؛ دعت الدول الخليجية للتدخل رسمياً وإنقاذ اليمن من عصابات الحوثيين وعميلها الخائن علي عبدالله صالح.. وفور بدء "عاصفة الحزم" خرجت في صنعاء وعدن مظاهرات تأييد ومساندة (حمل بعضها صور الملك سلمان) كون اليمنيين شعروا لأول مرة بأن هناك من قرر التحرك فعلاً لإنقاذ بلادهم من فوضى المليشيات والانزلاق لحرب طائفية.

وفي حين لا تقلقني قدرة جيشنا السعودي ولا نسورنا الأبطال على تحجيم الحوثيين وإفشال المخطط الإيراني في جنوب الجزيرة العربية؛ يجب أن نجتمع نحن على قلب رجل واحد ونشارك في حماية جبهتنا الداخلية ولا نسمح لأي شائعات أو دعوات بأن تضعفها أو تشكك فيها!

وإن كانت هناك من نصيحة نوجهها للحوثيين فهي أن تعودوا لرشدكم قبل أن تدفعوا الثمن غالياً ويُحملكم الشعب اليمني وكتب التاريخ نتائج الغدر والخيانة..

أما نصيحتي للإيرانيين فهي:

وفروا أموالكم لتنمية شعبكم فهذه ليست المرة الأولى التي تواجهون فيها السعودية بشكل غير مباشر ثم تتراجعون بفضل صلابة جبهتها الداخلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...