الاثنين، 9 ديسمبر 2019

أستاذ الكهان ومستشار الجان


تحدثت في آخر مقال عن عالم الفيزياء المعاصر ستيفن هوكينج الذي يعد خليفة أنشتاين ويشغل حالياً كرسي نيوتن في جامعة كامبردج..

وبالإضافة إلى استعراضي شيئاً من كتبه وإنجازاته العلمية، أشرت إلى إصابته بما يعرف بتصلب العضلات الذي يسبب تآكل الجهاز العضلي والعصبي بحيث يغدو المرء مشلولاً بالكامل ورخواً كالعجينة. وهو داء لا شفاء منه بحيث يبدأ المصاب حياته طبيعياً قوياً قبل أن ينكمش جسده وينهار حتى يصبح جلداً على عظم دون أن يؤثر ذلك على دماغه أو ذكائه ومواهبه.. وأنا شخصياً لا أعرف (في تراثنا العربي) رجلاً يماثله في حدة الذهن (مع شدة الإعاقة) سوى سطيح الكاهن.

وسطيح كاهن مشهور عاش في الجاهلية واشتهر بحدة ذكائه وصدق نبوءاته.. ويعد أستاذ الكهان ومستشار الملوك في الزمن القديم بما في ذلك ملوك الجان.. غير أن ابن عساكر يقول (في مختصر تاريخ دمشق) إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن سطيح فقال: هو نبي ضيعه قومه يضربون المثل بعلمه وصدقه.. وقال نفس القول ابن طرار (في الجليس الصالح والأنيس الناصح) وأضاف أنه عاش سبع مئة عام وتحدث عن ظهور الإسلام وولادة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

ومن قصص سطيح المشهورة ان الملك اليمني ربيعة بن مضر رأى في المنام حلماً أقلقه فطلب سطيح وقال له: إنني حلمت حلماً أفزعني فما هو؟ فقال سطيح: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت في أرض نهمة. فقال ربيعة: أصبت فما تفسيره؟ قال: ليأخذن أرضك الأحباش السود.. فقال ربيعه: إن هذا لغائظ موجع فمتى هو واقع؟ قال: بعدك بستين عاماً ثم يخرجون منها. قال: ومن يملك بعدهم؟ قال: سيف بن ذي يزن يخرج عليهم من عدن فما يترك منهم واحداً في اليمن. فقال ربيعة: أيدوم ملكه أم ينقطع؟ قال سطيح: بل يقطعه نبي زكي يأتيه الوحي من الله العلي.. قال الملك: وممن هذا النبي؟ قال سطيح: من ولد عدنان بن فهر بن مالك بن النضر يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر.. فقال ربيعة: وهل للدهر من آخر؟ فقال سطيح: نعم يوم يبعث الأولون والآخرون فيسعد المحسنون ويشقى المسيئون!!

أما الأغرب من كهانة سطيح فشكله العجيب وجسمه الغريب (الذي يذكرنا بستيفن هوكنج). ويعود سبب تسميته سطيحاً أن له نصف جسم ورأساً ضخماً ويداً ورجلاً واحدة. وادعى بعض أهل العلم أنه جني تمثل بهيئة رجل كسيح عاش لقرون، وجاء عن ابن عباس أنه قال: خلق سطيح الغساني لحماً على وضم (والوضم جرائد النخيل) ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والعنق والكتفين. وكان يطوى من جمجمته إلى ترقوته كما يطوى الثوب ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه!!

أعتقد ببساطة أن الرجل إما ولد ناقصاً أو مصاباً بما يعرف بالتصلب الضموري ALS الذي يتسبب بتآكل عضلات الجسم ويتركه رخواً كالعجينة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...