الاثنين، 9 ديسمبر 2019

السعودية.. دولة واقعية


أعظم المذابح في التاريخ حدثت باسم عقيدة منحرفة أو سياسة أيدلوجيه تقنع الجلاد أنه صاحب رسالة سامية؛ فخلال الثورة الثقافية ضحى ماوتسي تونج بملايين الفلاحين لخلق "مجتمع ماركسي نقي".. أما هتلر فكان يؤمن بأن قانون الطبيعة "البقاء للأقوى" يحتم بقاء الأمة الألمانية الراقية على حساب الشعوب الضعيفة والمتخلفة!

وكان المؤرخ السياسي أرجي رامل قد ابتكر مصطلحاً يدعى الديموسايد أو الموت بسبب الحكومة لأسباب سياسية أو أيدلوجية.. وقد عرف بنفسه هذا المصطلح بقوله:

"الديموسايد هو وفاة شخص أو مجموعة أشخاص بتوجية مباشر أو غير مباشر من الحكومة - بما في ذلك التصفية العرقية والطائفية والإصرار على السياسات الخاطئة وارتكاب مجازر جماعية أثناء الحروب".. وقدم رامل أمثلة على مجازر كبيرة تسببت بها حكومات حديثة أو معاصرة مثل:

قتل 62 مليون مواطن في الاتحاد السوفييتي بين عامي 1917 و1987.

وقتل 46 مليون مواطن في الصين منذ تولّى الشيوعيون الحكم عام 1949 وحتى عام 1987.

وبين عامي 1933 و 1945 تسبب هتلر بقتل 21 مليون نسمة في ألمانيا وحدها.

كما قتلت حكومات الكونجو المتوالية 10 ملايين نسمة بين عامي 1885 و 1908.

وأباد الخمير الحمر في كمبوديا مليوني نسمة (وهو مايمثل ثلث الشعب) بين عامي 1975 و1979.

هذه الأرقام المروعة مجرد نماذج لمجازر حدثت بتدخل مباشر من الحكومة (كما حدث في كمبوديا) أو بسبب الحروب (كما في ألمانيا النازية) أو بسبب الأفكار الأيدلوجية والسياسة الخاطئة (كما في الصين والكونغو) أو بسبب كل هذه العناصر مجتمعة (كما حصل في الاتحاد السوفييتي)!!

ومن الإيجابيات التي تحسب للدولة السعودية - بمراحلها الثلاثة - أنها لم تسمح لنفسها بالانجراف خلف أي من الأيدلوجيات القاسية أو المتطرفة التي اجتاحت العالم أو تقاذفت عالمنا العربي بعد فترات الاستقلال.. كانت دولة واقعية ابتعدت عن التنظيرات الأيدلوجية والمثاليات السياسية واهتمت ببناء الوطن والإنسان.. لم تكن يوماً دولة بوليسية تملك معتقلات أو تتبنى اغتيالات أو تهتم بتصدير أي نوع من الثورات.. بل على العكس تماماً، الواقع يقول إنها احتضنت حتى المناوئين لها والهاربين للقاعدة وداعش وشملتهم برعايتها حتى بعد عودتهم.. وهذا ما حولها بحق إلى مملكة للإنسانية همها الأول التنمية البشرية والتركيز على رقي ورفاهية الإنسان.. والنتيجة هو هدوء واستقرار بدا واضحاً خلال ثورات الربيع العربي وجعلها تبقى وتزدهر بعد انقراض أنظمة "قومية" و"اشتراكية" و"ثورية" حولها كانت تصفها يوما بالرجعية!!

ولو لاحظت العالم (أجمع) ستجد أن الدول الواقعية التي اهتمت بالجانب الإنساني والتنموي وابتعدت عن الطابع الأيدلوجي والثوري هي اليوم الدول الأكثر هدوءاً واستقراراً وازدهاراً.. قارن مثلاً بين مظاهر الهدوء والازدهار التي تنعم بها سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية/ من جهة/ مع دول "ثورجية" مثل كوريا الشمالية وإيران الملالي وليبيا القذافي.. تأمل حالة الأمن والازدهار التي تعيشها هذه الأيام الصين وروسيا وأوربا الشرقية، وأسأل نفسك؛ هل كانت ستتغير إلى حال أفضل لو احتفظت بالفكر الماركسي الثوري القديم؟

باختصار؛ الشعارات لا تبني وطناً، ولا تخدم تنمية، ولا تضمن رفاهية المواطن.. ما يبني الوطن ويخدم المواطن هو ارتفاع نسب النمو الاقتصادي من جهة، والاستقرار الأمني والسياسي من جهة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...