الخميس، 12 ديسمبر 2019

ثروتنا الرمادية يا وزارة التعليم


(المدرسة رقم 8) في بكين مدرسة خاصة بالأطفال العباقرة في عموم الصين.. يدرس فيها تلاميذ تم اختيارهم من بين ملايين الأطفال لذكائهم الخارق ومواهبهم الاستثنائية.. لا تملك مناهج تقليدية كونه يصعب تأليف مناهج تناسب عقولهم الخارقة فتعتمد على نظام تحصيلي مرن يعلم فيه كل طفل نفسه تحت إشراف معلمين متخصصين (يعدون نخبة المعلمين في البلاد ويحمل معظمهم درجات ماجستير ودكتوراه).

في هذه المدرسة يؤمن المعلمون بأن تلاميذهم سيفوزون مستقبلاً بجوائز نوبل ويتفوقون على نيوتن وأنشتاين في الإبداع والعبقرية.. وحين تتذكر أننا نتحدث عن بلد يملك أكثر من أربعين مليون طالب تدرك معقولية هذا الحلم كون المدرسة لا تقبل سوى 400 طالب على مستوى البلاد (أي واحد من بين كل مئة ألف طالب فقط)!!

والحقيقة هي أن دولاً عديدة أدركت أن اكتشاف المواهب الذهنية ثروة لا تضاهيها أي ثروة طبيعية (وأسميتها الثروة الرمادية في العنوان عطفاً على القشرة الرمادية في الدماغ المسؤولة عن التفكير والإبداع والابتكار).

فمن المعروف أن معظم الناس يتواجدون في نطاق وسطي من سلم الذكاء يتراوح بين 90 الى110 درجات. وكلما ارتفع سلم الذكاء كلما قلت نسبة التواجد واقترب صاحبها من درجة العبقرية بين 185 و200 درجة.. وغالباً ما تبحث هذه المدارس عن الأطفال الاستثنائيين ممن يتجاوزون 180 درجة من بين ملايين الأطفال (علما أن درجة ذكاء أنشتاين كانت 160 درجة فقط).. ورغم قناعتي الشخصية بأن الذكاء المرتفع لا يضمن لوحده شهادة المجتمع بالعبقرية والإبداع إلا أن مدارس كهذه هي الأقرب لخلق عشرات العباقرة والمبدعين...

وكانت روسيا قد حققت قفزاتها العلمية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية بفضل مدرسة نوفوسيبيرسك للعباقرة. فمن هذه المدرسة الاستثنائية خرج عباقرة في العلوم والهندسة والفضاء والأسلحة والتقنيات النووية مكنوا روسيا من الوقوف في وجه أميركا وأوروبا الغربية زمن الحرب الباردة (بل وسبقوا أميركا في غزو الفضاء وإطلاق أول قمر اصطناعي وإنتاج الصواريخ العابرة للقارات).. وتتراوح أعمار الطلاب في مدرسة نوفوسيبيرسك بين 6 إلى 18

عاماً وتتراوح معدلات ذكائهم بين 160 و180 درجة.. وتلاميذ هذه المدرسة هم في الأصل "خلاصة" أولمبياد خاص بالعلوم يضم مختلف الأعمار وينظم بشكل سنوي على مستوى روسيا.. وبعد سلسلة من المنافسات التصاعدية (التي تجري على مستوى القرى ثم المدن ثم الأقاليم) لا يتبقى سوى 300 طالب يتم قبولهم في هذه المدرسة الاستثنائية!!

.. ومدرسة نوفوسيبيرسك مثل مدرسة بكين، مجرد نموذج لمدارس خاصة بالعباقرة يوجد مثيل لها في اليابان وكندا واستراليا وألمانيا وبريطانيا وأميركا (حيث توجد مدرسة دالتون أقدم مدرسة خاصة في هذا المجال)..

ورغم أننا في السعودية نملك برامج وطنية لاكتشاف الموهوبين (تحت إشراف مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهوبين) ولكننا على أرض الواقع مازلنا متأخرين في استغلال ثروتنا "الرمادية" مقارنة بما يحصل في روسيا والصين واليابان وأميركا.. أعرف ذلك حق المعرفة (كون ابنتي مياس موجودة تحت رعايتها) ويمكنني القول إننا نعاني من ثلاث عقبات تؤخر منافستنا في هذا المجال:

العقبة الأولى: عدم وجود مدارس مستقلة وخاصة فقط بالأطفال العباقرة على غرار الدول المتقدمة (فالموهوبون لدينا مايزالون يدرسون في مدارس تقليدية)!

والثانية: عدم وجود مناهج خاصة ومفتوحة تراعي مستوياتهم المتقدمة وتسمح لكل طفل بالتقدم بحسب قدراته الخاصة (فموهوبونا مايزالون مقيدين بذات المناهج العامة التي يدرسها عموم الطلاب)!

أما العقبة الثالثة فهي أن المعلمين والمعلمات (المشرفين لدينا على الموهوبين والموهوبات) غير مؤهلين لا علمياً ولا تربوياً للتعامل مع هذه الفئة من الطلاب ولا يُعدون حتى من نخبة التربويين العاملين في السلك التعليمي!!

.. أعرف ذلك حق المعرفة كون مدرسة الموهوبين في "نوفوسيبيرسك" يشرف عليها أفضل العلماء في روسيا!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...