الاثنين، 9 ديسمبر 2019

كيف اخترعت إنتل صوت هوكينغ!؟


قبل أسبوع تقريباً كتبت مقالاً عن عالم الفيزياء المعاصر ستيف هوكينغ.. وهو -كما يعرف معظمنا- مصاب بمرض التصلب الضموري الذي يسبب تآكل العضلات والأعصاب (لدرجة تحول المريض في النهاية إلى مجرد جلد على عظم)!!

ولك أن تتصور إنساناً مشلولاً بالكامل وعاجزاً عن الكلام والحركة كيف يمكنه التواصل مع العالم؟ كيف يمكنه تأليف سبعة كتب، وإلقاء عشرات المحاضرات، والظهور في برامج تلفزيونية لا تحصى!؟ هنا يبرز دور التقنية الذكية وقدرة المجتمعات المتقدمة على تلبية احتياجات مقعديها.

والحقيقة أن تآكل العضلات (في هذا المرض) يحدث بالتدريج حتى يصبح الإنسان مقعداً تماماً.. فحتى سن الخامسة والعشرين كان هوكنج قادراً على المشي دون الحاجة لكرسي متحرك.. وكان قادراً على الكلام حتى عام 1985 حين اضطر الأطباء لقطع جزء من رقبته ففقد صوته إلى الأبد.

وبعد تماثله للشفاء أصبح يستخدم كمبيوتراً لوحياً يكتب عليه ما يريد.. غير أن قدرة هوكنج على الكتابة تضاءلت بالتدريج مما اضطر الشركة المنتجة (وتدعى Words Plus) لاستبدال لوحة المفاتيح بماوس ضوئي يشير للحروف ويختار الكلمات المناسبة.. غير أن قدرة هونج على تحريك الماوس تضاءلت بدورها حتى أصبح غير قادر تقريبا على التواصل مع أحد.. وهنا أتى دور إنتل الشركة التي تصنع الشرائح المفكرة وتشتهر بشعارها الموجود على معظم الكمبيوترات "إنتل في الداخل".

وحدثت الصدفة السعيدة عام 1997 حين التقى جوردن مور (أحد مؤسسي إنتل) مع ستيفن هوكينغ في أحد المؤتمرات فعرض عليه استبدال جهازه بآخر أكثر تطوراً من إنتل.. ومن هذه اللحظة تبنت إنتل قضية هوكنج وأصبحت تقوم بتطوير جهازه بما يتناسب مع تآكل المزيد من عضلاته (وهو ما صب في النهاية لصالح جميع المقعدين والمشلولين والمصابين بضمور العضلات حول العالم).. غير أن إنتل دخلت في مأزق تقني جديد عام 2008 حين بدأ آخر عصب في يد هوكنج بالتآكل ولم يعد قادراً حتى على لمس البقعة الضوئية الموجودة قرب إصبعه.. ولأن عضلة خده الأيمن كانت ما تزال تعمل، ابتكرت انتل جهاز استشعار يميز حركتها.

وهكذا؛ من خلال تحريكه لهذه العضلة أصبح بإمكانه التأشير على الكلمات الرئيسية التي تتحول آنيا لصوت منطوق.. ومن خلال المستشعر (الملتصق على خده) كان بإمكانه تصفح الانترنت وفتح الإيميلات وكتابة أبحاثه الجديدة.. غير أن تآكل العضلات امتد لاحقا إلى "عضلة الخد" فدخلت انتل في تحد جديد.. وبسرعة شكلت الشركة فريقاً يتضمن عشرين من أكفأ المهندسين للبحث عن حل مختلف.

وفي عام 2012 طار الفريق إلى بريطانيا لمقابلة هوكنج وعرضوا عليه أفكارهم البديلة.. وحاولوا في البداية صنع مستشعر يتتبع حركة العين ففشلوا بسبب عجز عضلات عينيه عن التركيز.. كما فشلت فكرة زرع مستشعرات حول رأسه بحيث يتمكن من تحريك كرسيه أو فتح كمبيوتره بمجرد (التفكير في ذلك).

وأخيراً؛ بمساعدة الأطباء، وابتكار مستشعرات أكثر تحسساً، عثروا على عصب عميق في وجهه يتيح له التأشير على الكلمات المناسبة مثل افتح، وتحرك، وقف، فيُكمل الكمبيوتر المهمة.

أما كيف يتحدث هوكنج بالضبط؟ فمن خلال التأشير على "حروف" يتنبأ الكمبيوتر بكلماتها الأولية (كما يفعل هاتفك الجوال حين يحاول التنبؤ بالكلمات فور بدئك بالكتابة).. ولكن البرنامج الذي قدمته إنتل كان أكثر تخصصا كونه يعتمد على دراسة مؤلفات هوكنج وأكثر كلماته استخداما ويتنبأ بجمل كاملة يحولها بسرعة لصوت إلكتروني (لدرجة سمعته يجيب فور انتهاء المذيع التلفزيوني من طرح أسئلته)!!

أيها السادة:

ختمت مقالي السابق بطلب إدخال هاتين الكلمتين Stephen Hawking في اليوتيوب لتشاهدوا كيف يتحدث.. واليوم أكرر رجائي بفعل ذلك لتشاهدوا قوة الإرادة وعظمة التقنية حين تلعب دورها الإنساني النبيل!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...