الخميس، 12 ديسمبر 2019

حين يتعلق الأمر بالمال.. الجميع فاسد


ما يبدو لي أن جميع الشعوب تشتكي من الفساد، وجميع الأمم أيضاً تنظر بعين الرضى للمترو..

فخطوط المترو مهما انحدر مستواها وقلت محطاتها أفضل بكثير من مشاكل الازدحام والحرارة والتأخير والتوتر الذي يحدث (فوق) في الطرق الممتلئة بالسيارات.. وفي المقابل لا يمكن القضاء على مظاهر الفساد والهدر المالي في أي دولة بشكل تام وكامل وهي حالة تثير حفيظة الناس حتى في أكثر الدول نزاهة وشفافية كفنلندا ونيوزلندا والدنمرك..

ويخطئ من يظن أن دولاً مثل المانيا وهولندا وفرنسا لا تواجه فساداً من هذا النوع.. صحيح أن مستوى النزاهة فيها أفضل بكثير من عالمنا العربي.. وصحيح أيضاً أن أوروبا أفضل من أميركا (التي تعيش حالة انتفاخ عسكري تسهل عمليات هدر المال العام) ولكنها موجودة على أي حال بما يتناسب مع سياقها الثقافي والاقتصادي وتشريعاتها الخاصة...

ومقالنا اليوم ليس عن دولة متخلفة في العالم الثالث.. ولا عن دولة منسية في أفريقيا أو أميركا الجنوبية.. بل عن دولة عظمى وديموقراطية وشفافة تدعى الولايات المتحدة الأميركية..

فأميركا تعاني من فساد مشرعن وهدر مالي يتوافق مع قرارات مجلسي الكونجرس والنواب (والسؤال الحقيقي هو: من يضغط على هذين المجلسين لإجازة القرارات والتشريعات)..

فالسياسة الأميركية تحركها مصالح اقتصادية تملك قوى ضغط حقيقية في واشنطن.. فكما يوجد هناك لوبي صهيوني وآخر يعمل لصالح التيار المسيحي المحافظ هناك لوبي خاص بصناعة الأسلحة وشركات النفط والمصالح الاقتصادية الكبرى.. فلوبيَي النفط والأسلحة مثلاً هما من ضغط لصالح احتلال العراق رغم ثبوت عدم امتلاكه أسلحة دمار شامل، واحتلال أفغانستان رغم عدم تورط الأفغان أنفسهم بتفجيرات سبتمبر!

... وفي حال استثنينا ملايين الدولارات المهدرة على الرشا وشراء المسؤولين المحليين، تهدر أميركا أموال شعبها من خلال برامج وطنية متقدمة كغزو الفضاء وترسانة الأسلحة النووية والتفويض بصنع مقاتلات وصواريخ متقدمة.. ثم تهدرها على حروب عبثية مثل غزو فيتنام والتدخل في بنما والصومال وإنشاء قواعد عسكرية في أكثر من تسعين دولة حول العالم...

وفي حين تبدو المصاريف سليمة (على الورق) تصب فعليا لصالح شركات الأسلحة، ولوبي الحرب، وقطاعات التموين، ومسؤولين أصبحوا بعد تقاعدهم يترأسون شركات مستفيدة..

... تأمل فقط في الخسائر التالية التي تكبدتها أميركا من غزو العراق (بعد تفجيرات سبتمبر2011) ثم اسأل نفسك ماذا استفاد المواطن الأميركي من ذلك!؟

فأميركا خسرت أكثر من 550 مليار دولار في حرب العراق الثانية فقط وأكثر من 61 ملياراً كمساعدات ورشى قدمتها لبغداد مابين عامي 2003 و2011 (وراجع مقال أين ذهبت أموال العراق لمعرفة تفاصيل تحويل عشرين مليار دولار "كاش" لا يعلم أحد مصيرها حتى اليوم)..

وحسب موقع costsofwar.org المناهض للحرب أنفقت أميركا 1,4 تريليون دولار مابين 2001 و2011 فقط بحجة مكافحة الإرهاب (ترتفع لأكثر من 2 تريليون حين نحتسب النفقات الإضافية للقواعد العسكرية في الشرق الأوسط).. وهذه الأموال كلها تؤخذ من المواطن الأميركي (الذي يدفع الضرائب) وملايين البسطاء حول العالم (الذين يشترون دولاراتها المطبوعة) وتصب في النهاية في جيوب شركات الأسلحة والمقاولات والعاملين خلف الأضواء!

... بقيت نقطة مهمة يجب أن نأخذها بعين الحسبان قبل أن نشمت بأميركا وأخواتها..

يجب أن نلاحظ أننا نسمع على الأقل بفضائح الدول المتقدمة، في حين لا نكاد نسمع شيئاً عما يحدث في دول العالم الثالث.. صحيح أن الفساد ظاهرة عالمية، ولكن الفرق الحقيقي يكمن في وجود أو عدم وجود نظام محاسبي شفاف، وتشريعات تمنع الفساد، وإعلام حر ومستقل لا يتحرج من فضح كل هذا..

... وكما أقول دائماً: مايحدث في الخفاء يجنح للفساد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...