السعوديون لا يشغلون أنفسهم بمتاهات "التنظير السياسي" ويهتمون أكثر بما يقوله "واقعهم السياسي"..
وواقعهم السياسي يقول إنهم يعيشون تحت نظام ملكي صالح يضمن لهم الأمن والاستقرار وسلاسة انتقال الحكم دون عنف أو قلاقل أو ضجيج.. يعيشون في ظل نظام أبوي راسخ لا يتغير بتغير الملوك ويثبت في كل مرة حسن ظنهم به (ويُكذب في كل مرة توقعات من يتنبأون بظهور بوادر خلاف حول الملك الجديد)...
قناعة السعوديين بنظامهم الملكي مستمدة من واقع سياسي عماده الأمن والاستقرار مقابل اضطرابات وقلاقل يمر بها غيرهم.. واقعهم السياسي يؤكد أن نظام الحكم السعودي هو الذي دام وبقي والبقاء لله في حين ذهبت دول وأنظمة وأيدلوجيات ناصبته العداء أو وصفته بالرجعية.. يدركون أنهم أصبحوا اليوم على مسافة شاسعة (سواء أمنياً أو اقتصادياً) من شعوب كانت تنظر إليهم بفوقية وتتباهي بأنظمة لا تعرف من "الديموقراطية" غير ما تحشره في مسمياتها الرسمية.. يرفضون باختيارهم التنازل عن كل هذه المكتسبات والتصرف كالتي نقضت غزلها من بعد قوة (وهو مايفسر حالة الهدوء التي عاشتها السعودية خلال تداعيات ما يمسى بالربيع العربي)..
السعوديون ليسوا جاهلين حتى بمحاسن الديموقراطية الغربية، ولكنهم يدركون أنهم يملكون واقعاً أفضل ونظاماً يقدم لهم نتائج (أضمن).. فجميعهم ولدوا وعاشوا تحت نظام أبوي حانٍ يعتبرونه ميزة ومكسباً لهم ولأبنائهم.. يعرفون أن زعماء الدول المتقدمة يفوزون على أساس وعود انتخابية قد لا تنفذ لأسباب كثيرة (من أهمها عدم خبرة الحاكم الجديد أو عدم مروره بهذه التجربة من قبل)، وفي المقابل يملكون هم رجالاً امتهنوا الحكم منذ صغرهم، وتقلدوا مناصب تطورت حولهم، وأصبحت لهم مخرجات فعلية (لا وعود شفهية) يعرفها الجميع..
لا يحتاج السعوديون لمراجعة سيرة الملك سلمان، أو الأمير مقرن، أو محمد بن نايف للتأكد من تمتعهم بالخبرة والتجربة التي تؤهلهم لمناصبهم الحالية.. يدركون أنهم لا يحتاجون لفترات قلاقل وفتن كي يحظوا بنظام مستقر أو حاكم يرتضيه الجميع.. يعرفون أكثر من غيرهم أن تداول السلطة لا يحصل فقط على أساس التوريث (كما يعتقد معظم المراقبين في الخارج) بل على أساس الكفاءة وأغلبية هيئة البيعة (وليس أدل على ذلك من تعيين الأمير محمد بن نايف في منصبه الجديد رغم صغر سنه النسبي)..
آخر مرة تأكدوا فيها من هذه الحقيقة حين استيقظوا صباح الجمعة على رسالة تخبرهم بانتقال الحكم لملك جديد يعرفونه منذ عقود دون قلاقل أو مشاكل أو ضجيج يذكر.. وبقدر ما حزنوا لوفاة الملك عبدالله سعدوا بسرعة القرارات الملكية التي أصدرها الملك سلمان والقاضية بتعين الأمير مقرن ولياً للعهد، والأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد (وكلا الاسمين تجاوزا مرحلة الخبرة أو الوعود المسبقة).. كانت قرارات سريعة وحاسمة فاجأت المراقبين الدوليين ولم تترك حتى للمغرضين فرصة التوقع والتخمين.. قرارات أكدت للداخل والخارج تماسك البيت السعودي واجتماعه على قلب رجل واحد يجمع أطراف الوطن.. إرادة ملكية حظيت برضا الجميع وفاجأت بهدوئها حتى من تساءل عن كيفية انتقال الحكم للجيل الثاني من أحفاد الملك عبدالعزيز...
باختصار شديد؛
واقعنا السياسي هو ما يجعلنا متمسكين بنظام ملكي عادل يتجاوز في كل مرة قلاقل وفتن تعصف بغيره.. وحين نبايع الملك سلمان زعيماً للبلاد والأمير مقرن ولياً للعهد فإننا ببساطة نختار نظاماً مجرباً، وواقعاً آمناً، ومستقبلاً زاهراً لأبنائنا وأحفادنا من بعدنا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق