يصعب علي تصديق خوارق تخالف قوانين الفيزياء ونواميس الطبيعة ولكنني - في المقابل - لا أملك حق اتهام أحد بالكذب والتلفيق.. لست متحجر الرأس، ولكنني أيضا لست غرا (ولا الخب يخدعني على قول عمر بن الخطاب) وأطالب بالدليل قبل تصديق أي ادعاء خارق.
يمكنني الاستمتاع بقراءة الظواهر الخارقة (وقد أكتب عنها من باب التساؤل عن سرها) ولكنني أؤمن بوجود تفسير منطقي لها.. حالتي تشبه حالتك حين ترى خدعة سحرية مدهشة فتتعجب منها (وقد تحدث الناس بها) ولكنك تؤمن بداخلك بوجود تفسير مقبول لها!
الإحراج يأتي حين تقابل إنسانا تعرفه وتثق بصدقه وأمانته وصلاحه (ولم تعهد عليه بلغة أهل الحديث كذبا أو فسقا أو فجورا) فيحدثك حديثا يخرج عن سياق المنطق والمعقول.. وهنا تقع في حرج مع الراوي وحيرة مع نفسك.. فأنت - من جهة - لم تعهد عليه كذبا أو تدليسا - ومن جهة أخرى - لا يمكنك تصديق حادثة خرافية بمستوى رؤيته لطبق طائر تخرج منه مخلوقات خضراء!!
سبق وأن مررت بمواقف كثيرة كهذه - خصوصا حين نتحدث عن رسائل الإيميل التي أستلمها من القراء.. وأيام عملي في ثانوية السمهودي أخبرني معلم فاضل بقصة خارقة (استشهدت بها في مقال سابق) عن رؤيته لعفاريت خضر يشربون من بركة ماء تبقت بعد سيل العاقول بالمدينة. وحين تنبهوا لوجوده تلاشوا بالتدريج في حين بقيت آثار اقدامهم على الطين.. وحين سمع قصته بقية المعلمين تداعت منهم روايات تؤكد وجود مثل هؤلاء العفاريت ولونهم الأخضر الباهت.. كنت على استعداد لتكذيب (جميع المدرسين) ولكن ليس هذا المعلم الذي أعرف صدقه وأمانته حق المعرفة!
وما يزيد الوضع تأزما - بين الراوي والسامع - أنه يوجد في حياة كل منا حادثة أو اثنتان غريبتان أو خارقتان يصعب تصديقهما.. غريبتان جدا لدرجة نتهرب من ذكرهما أو الحديث بهما على الملأ (ناهيك عن نشرهما على صفحات الجرائد).. وهذا الخوف والتردد هو ما يجعل كتبنا العربية تفتقر إلى شهادات حقيقية من هذا النوع.. فالظواهر الخارقة ليست حكرا على "الغرب" ولم تنته بنهاية العصر الجاهلي أو العباسي؛ ولكننا ببساطة قد لا نتجرأ على ذكر ما يخصنا شخصيا أو توثيقها في سجلات رسمية (كما وثقت أمريكا مثلا شهادات الأطباق الطائرة في مشروع تولاه سلاح الطيران باسم الكتاب الأزرق)!
.. أنا شخصيا ومن خلال تجربتي الطويلة مع الصحف وصلتني رسائل كثيرة تتحدث عن تجارب شخصية خارقة (خصوصا بعد أن تحدثت أنا عن أغرب حادثة مررت بها في مقال: كيف توقفت البوينج وسط السحاب).. فهناك مثلا قراء حدثوني عن منحدرات تصعد فيها السيارات إلى الأعلى، وطالبات من جدة كتبن لي عن وجود "جن" في مدرستهن، ومدرس أخبرني عن قريب يخرج في الليل يعوي معتقدا أنه "ذئب"، وقارئ أخبرني عن مهارته في جعل الناس يلتفتون إليه بمجرد التحديق بمؤخرة رؤوسهم، وأب أخبرني أن "شيئا ما" يصفع ابنه دائما (لا يراه أحد؛ ولكنهم يرون أثر الصفعات ويسمعون صوتها).. في حين وصلتني قصص كثيرة عن أشخاص رأوا في المنام أمواتا اخبروهم بهذا الشيء أو ذاك بعد نشري لمقال "روحه أتت للسلام" !!
.. لماذا لا تحدثنا أنت بأغرب قصة سمعتها أو تجربة مررت بها؟!.
صحيح قد لا نكون مجبرين على تصديقك ؛ ولكن بالتأكيد لا يحق لنا تكذيبك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق