الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

الفرق بين هذا وذاك


هل تعرف الفرق بين: الحكومة والدولة.. والمعلومة والمعرفة.. والإبداع والاختراع؟ أو الفرق بين الذهن والعقل.. والجسم والجسد.. والسنة والعام!؟ ستشعر بالحيرة لأن لديك شعوراَ بالمعرفة ولكن أيضاَ صعوبة في التمييز بينهما.. تشعر أن من حقك القول أعرف ولكن (...ولكن ماذا؟) ستتوقف أو تفشل في توضيح الفرق.

الحقيقة؛ هي أننا غالباً مانستعمل مترادفات كهذه (بنفس المعنى) ولا نراها مشكلة في أحاديثنا العامة.. ولكن؛ حين تكتب مقالاً يومياً ستمر يومياً بإشكالات حقيقية حول أكثرها دقة وأقربها للمعنى.. فخلال العشرين عاماً الماضية مثلاً توقفت أمام كلمات متقاربة لدرجة محيرة مثل "جسم أم جسد؟" "اختراع أم إبداع؟" "حكومة أم دولة؟" "عقل أم ذهن؟".. وكنت في أحيان كثيرة أرجح الفرق بنفسي، وفي أحيان أخرى أضطر للبحث عنه في قواميس اللغة القديمة خصوصاً معجم الفروق اللغوية لأبي هلال العسكريّ!!

وظاهرة الكلمات المتقاربة أو المترادفة موجودة في كافة لغات العالم بدليل ظهور مترادفات كثيرة لأي كلمة تحاول ترجمتها إلى اللغة الانجليزية أو الفرنسية.. وأهم الأسباب في نظري تكمن في أن الكلمات عموماً تقرب إلى المعنى ولكنها لا تعبر بدقة (بنسبة 100%) عما يجول بخاطرنا أو نحاول نقله للآخرين.. فحين أخبرك مثلاً أنني اشتريت سيارة زرقاء قيادتها جميلة وداخلها مريح؛ فأنا في الحقيقة لا أقدم وصفاً دقيقاً 100% بل أحاول فقط تقريب الفكرة إليك.. فما يبدو لي أزرقَ قد تراه أنت داكناً، وما أراه جميلاً قد تراه مقبولاً، في حين لن يفهم أحد قصدي من "داخلها مريح"!!

وما دفعني أصلاً لكتابة هذا المقال سؤال طرحته عليّ ابنتي مياس بخصوص الفرق بين النظرية العلمية والقانون العلمي؟ لو أنها سألتني عن تعريف النظرية على حدة، أو القانون على حدة لتمكنت من إجابتها (فهذا أسهل من سؤال طفلك الصغير عن معنى كلمة سنة).. ولكن المشكلة تظهر حين يستفسر أحدهم عن معنيين مترادفين أو كلمتين متقاربتين في نفس السؤال (كأن يسألك طفلك الصغير عن الفرق بين السنة والعام؟).. وسيصبح موقفك محرجاً أكثر حين تكتشف أنه يعرف الفرق ولكنه يريد اختبارك فقط.. فبعد فشلي في الإجابة على السؤال فتحت مياس كتاب العلوم وأخبرتني أن النظرية العلمية هي "تفسير لسلوك متكرر تدعمه البيانات وتمت ملاحظته مراراً وتكراراً" أما القانون العلمي فهو "قاعدة تصف نمط معين يمكن التنبؤ به مراراً وتكراراً".. وبكلام أكثر بساطة؛ النظرية تشرح سبب سقوط التفاحة قرب نيوتن (بفعل الجاذبية) في حين يخبرنا القانون كيف تسقط التفاحة بسرعة معينة وزمن معلوم (وليس من شأنه تفسير سبب الجاذبية).

وكما قلت سابقاً؛ اختيار المعنى الأقرب للدقة يهم الباحثين والمتخصصين والكتّاب أكثر من غيرهم.. أما في أحاديثنا العامة فقد تعودنا استعمال مصطلحات مطاطة أو كلمات متقاربة دون خلل في إيصال المعنى.. فحين تقول "اخترع الإنسان النار قبل مليون عام" سيفهم السامع قصدك ولن يقاطعك رغم أن الكلمة الأدق هي "اكتشف النار" كون "الاختراع" يعني استحداث شيء جديد تماماً، في حين أن "الإبداع" يعني تطوير وتحسين شيء موجود أصلاً بحيث يمكنك القول "أبدعت سامسونج في تلفونها الجديد".

على أي حال؛ انتهت مساحة الزاوية قبل تبيان الفوارق الدقيقة بين الكلمات التي بدأنا بها المقال.. لهذا السبب أعدك بإيضاح الفرق في المقال القادم برفقة المزيد من (الكلمات) و (المفردات) و(المصطلحات) المدهشة.. وحتى ذلك الحين فكر أنت في الفرق بين آخر ثلاث كلمات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...