الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

حالتنا السعودية


كلنا يعرف أن الملك عبدالعزيز فتح الرياض بمجموعة قليلة من الرجال.. لا ينكر أحد أنهم كانوا على قدر كبير من الشجاعة والإقدام، ولكن لا ينكر أحد أيضا دور "أهل الرياض" الذين يحتفظون لآل سعود بمشاعر الود والوفاء والذكريات الجميلة..

فأهل الرياض لم يترددوا في الوقوف مع الملك عبدالعزيز حين سمعوا بوصوله وكانوا على استعداد لنصرته حتى لو أتى وحيدا وهو ما دعا أحد المؤرخين الفرنسيين للقول: "ظهرت الدولة السعودية لثالث مرة لأن رصيدها كان كبيرا في قلوب الناس.."

هذه الحالة (فتح الرياض) تثبت أن شعبية الحاكم وذكراه الطيبة هي خير نصير وأقوى ضامن لبقائه في سدة الحكم.. تثبت أن لمشاعر الوفاء دوراً غير محسوب في تماسك الدول وشرعنة الأنظمة وعودة الحكومات.. يفسر تماسك السعودية - وهدوءها الذي حير المراقبين - في وقت اضطربت فيه الدول العربية وقت ما كان يعرف ب"الربيع العربي"!

.. أذكر أن السيد تسوتومو إيشايا (محرر الشؤون الخارجية في أكبر صحيفة يابانية أساهي شيمبيون) قد طرح على الوفد الإعلامي السعودي (المرافق لسمو ولي العهد خلال زيارته لليابان) السؤال التالي:
هل يخبرني أحد عن سر حالة الهدوء والسلام التي تعيشها السعودية مقارنة بمعظم الدول العربية التي تمر بحالة من الاضطراب والتصادم الداخلي؟

تطوعت بالإجابة وقلت:

"يكمن السر في العلاقة الفريدة بين الشعب والحاكم في السعودية.. فنحن نملك ما يمكن تسميته بالنظام الأبوي حيث ينظر الشعب الى الملك كأب كريم ونتحدث عنه بهذه الصيغة حتى في مجالسنا الخاصة - وفي المقابل ينظر الملك لشعبه كأبناء يستحقون منه الرعاية والاهتمام..

وحين يملك الانسان أبا راعيا لا يسعه سوى احترامه وتقديره والحرص على استمرارية علاقته معه - خصوصا حين لا يرى منه إلا كل خير..

الأمر الآخر؛ أننا في السعودية ندرك امتلاكنا للكثير من النواقص

والأخطاء، ولكننا ندرك أيضا أنها - مهما بلغ حجمها - يمكن إصلاحها وتجاوزها بالحكمة والحوار دون الدخول في قلاقل واضطرابات تمزق وحدة البلاد.."

ومقابل هذه الحالة السعودية الفريدة تحاول الأنظمة الدكتاتورية والمنعزلة عن شعبها حماية نفسها بكافة الوسائل المادية والعسكرية والمخابراتية.. تحمي نفسها من الناس وتنسى ان حب الناس أقوى من أي فرق عسكرية ووسائل حماية بوليسية.. ففي العراق مثلا لم يكن العراقيون يكرهون شيئا أكثر من النظام البعثي وبالتالي لم يكونوا على استعداد للدفاع عنه حين وصلت طلائع الجيش الأمريكي - بل كان الحرس الجمهوري أول المنقلبين على صدام وحزبه الحاكم..

وفي المقابل حفل التاريخ بزعماء استعادوا حكمهم وحدهم (دون إمكانات مادية أو عسكرية) بفضل شعبيتهم وولاء الناس لهم وقدرتهم على فتح القلوب قبل المدن.. فبالإضافة الى الملك عبدالعزيز هناك نابليون الذي استعاد فرنسا (وحيدا) بفضل شعبيته وولاء الجيش له بعد هربه من منفاه في جزيرة البا.. وهناك أيضا عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) الذي فتح الأندلس وحيدا معتمدا على سمعة عائلته الحسنة بين الناس.. حتى الأمير فيصل بن تركي (جد الملك عبدالعزيز الذي أخذه خورشيد باشا أسيرا الى مصر) هرب الى نجد فرحب به الناس وعينوه ملكا رغم قدومه عليهم بلا حول أو قوة..

كل هذه الأمثلة ثبت ان ولاء الشعب، وحب الناس هما خير ضامن لاستقرار الدول واستمرار الأنظمة وترسيخ شرعية الحُكام.. أما النظام الذي يقوم على الظلم والطغيان فإنه يفقد رصيده في قلوب الناس ويسقط بسرعة تتناسب مع نفاد صبرهم منه - وهو ما يفسر انتفاضات الشعوب العربية ضد أنظمة حققت أرقاما قياسية في الكبت والضنك الاقتصادي!

وفي المقابل تتفرد السعودية باستمرارية حالة الوفاء والتقدير المتبادل بين الشعب والأسرة الحاكمة منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى يومنا هذا - الأمر الذي جعل خادم الحرمين الملك عبدالله يصف الشعب السعودي "بالشعب الوفي" كونه اختار في أكثر من مناسبة عدم الاستجابة لدعوات التظاهر والعصيان وفضل عليهما حالة الاستقرار والترابط التي رسخها خلال 270 عاما...

.. رسالتنا للعالم أننا شعب يجيد قراءة التاريخ وندرك الفرق بين الأعمار القصيرة للأنظمة العربية المضطربة واستقرار الدولة السعودية منذ عام 1744 وحتى الآن.. لسنا جهلة أو سذجا ونعرف أننا لسنا أفضل الأمم، ولكننا ببساطة لا نقبل التضحية بمكتسبات تطلب بناؤها ثلاثة قرون - لمجرد المسايرة أو التغيير - ونختار دائما بحث مشاكلنا الداخلية بصمت وهدوء مثل أي أسرة كبيرة.. هذه ببساطة حالتنا السعودية..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...