الأحد، 27 أكتوبر 2019

ليست مجرد نكتة


الأغبياء لا يفهمون النكتة..

هذا هو معياري البسيط والخفي لكشف القدرات الذهنية للشخص المقابل..

وأنا (لا أنكت) بهذا الخصوص كون عدم فهم النكتة يشي بوجود اضطرابات نفسية وشخصية حقيقية.. فالمتلقي يجب أن يتحلي بقدر معقول من الذكاء، والمعرفة، وسرعة البديهة، والإدراك اللغوي؛ لفهم آلية النكتة.. كما أن امتلاك مستوى لغوي متقدم مهم لفهم مغزى التلاعب بالألفاظ فمن تعلم اللغة العربية منذ أيام لا يفهم موطن الطرافة في قولك: واحد جلس على القهوة.. أحرقته!!

... العجيب ما قرأته مؤخرا من أن تضرر الفص الأمامي الأيمن من المخ يمنع المريض من فهم مغزى النكات المعقدة. وهذا أمر له دلالته الطبية كون النكتة خليطا من تراكيب لغوية ونفسية وعقلية بارعة؛ وحين يتضرر الجزء المختص من المخ يختل تركيب النكتة (لغويا أو ذهنيا) فتصبح غير مفهومة بالنسبة للمصاب!!

وكان فريق من جامعة تورنتو الكندية قد توصل لهذه النتيجة بعد دراسة ردود الفعل على نوعيات مختلفة من النكات (شفوية ومكتوبة ومباشرة ومعقدة).

وكان اكثر من نصف المختبرين من المصابين نفسيا او المتضررين في أدمغتهم واتضح في النهاية ليس فقط علاقة النكتة بالذكاء؛ بل وأيضا بشخصية الفرد ومعدل ذكائه ومستوى ثقافته!!

وفي المقابل يشي فهم النكتة (ناهيك عن تأليفها) بوجود صفات ايجابية كثيرة لا تتوفر عند الأطفال الصغار أو ضعاف العقول.. فالنكتة ليست مجرد قول طريف بل وتركيبة لغوية معقدة واستنباط ذهني بارع.. فالمرء يمكن ان يؤلف كتابا (او يكتب مقالا) ولكن يصعب عليه تأليف نكتة متوسطة المستوى؛ فالنكتة البارعة تتطلب مهارة في إبراز التناقضات، واللعب بالمفردات، واختلاق المواقف في اقل قدر من الكلمات.. وحين يبتكر شخص ما نكتة فورية (أثناء الحديث مثلا) فهذا يعني امتلاكه في لحظة وجيزة صفات عقلية تجمع بين الذكاء؛ والإدراك اللغوي؛ وسرعة البديهة؛ وفهم ردود فعل الآخرين.. ناهيك عن صفات أخرى تتوافق مع طبيعة النكتة وتخصصها..

فقبل أيام مثلا أخبرني ابني ياسر (في الثاني ابتدائي) أن طالبا من الصف الثالث دخل فصلهم وضرب أكبر طالب فيهم فقام الطالب المضروب بضرب ابني ياسر، الذي قام بدوره بضرب جاره الأصغر منه حجماً (وإلى الآن لم أضحك) حتى قال: "يعني سوينا زي السلسلة الغذائية"..

... وهنا لم أضحك فقط، بل أدركت أنه يتمتع بروح رياضية جميلة، وذكاء في فهم المفارقة، وقدرة على المقارنة والتشبيه (ناهيك عن حبه للعلوم وفهمه لكيفية عمل السلسلة الغذائية)...

وفي المقابل لا يمكن لصاحب الذكاء الضعيف أو من لا يفقه في علم الأحياء فهم طرافة التشبيه في قصة كهذه.. كما لا يمكنه تمييز المفارقة الذكية والمبالغة الساخرة في قول أحدهم: "سائقنا ليس فقط نحيفاً بل ويمكنه النظر من ثقب الباب بعينيه الاثنتين"..

ومن يدري ؛ قد يقول لك كما قال لي: "يمكن فتحة القفل كانت كبيرة"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...