الأحد، 27 أكتوبر 2019

أنفك الطريق إلى دماغك


كان الفراعنة يعمدون لسحب دماغ الانسان قبل تحنيطه من خلال قصبة يتم إدخالها عبر أنفه.. واليوم اختفت قصبة الفراعنة ولكن أنوفنا مازالت بمثابة بوابات لأدمغتنا.. هل لاحظت مثلاً أنك تتنفس غالباً من احد ثقبي الأنف؟

جرب ذلك الآن.. فنحن بدون زكام نلاحظ أننا نتنفس معظم الوقت من ثقب واحد فقط. وقد يستمر هذا الوضع لثلاث او اربع ساعات قبل ان ننتقل للثقب الآخر..!!!

ومنذ زمن طويل ادرك علماء التشريح وجود علاقة بين الثقب الذى نتنفس منه وسيطرة احد جانبي المخ على تصرفاتنا ومشاعرنا.. فنحن نعرف ان النصف الأيمن من المخ يسيطر على الأعضاء اليسرى من الجسم ويتحكم بالتصرفات العاطفية والفنية وكل ماله علاقة بالمشاعر الإنسانية.. وفى المقابل يتحكم النصف الأيسر بالأعضاء اليمنى وله علاقة مباشرة بالعمليات المنطقية والتحليلية كالمسائل الحسابية واللغوية والميكانيكية!!

والعلاقة المكتشفة بين احد ثقبي الأنف والجانب المغاير من المخ قد تفسر الادعاء القديم بإمكانية تنشيط ملكات العقل بممارسة التنفس من ثقب دون الآخر..

وقد تبدو هذه الفكرة غريبة بعض الشيء ولكن حكماء اليوغا (وهي تمارين فى الرياضة والإيحاء ابتكرها قدماء الهنود للوصول لأقصى درجات التأمل والسمو الروحي) يعتقدون ان إجبار الثقب المسدود على التنفس يساعد على تنشيط الجزء الأقل نشاطاً من المخ!!

وبناء على هذه الفرضية يمكنك (إن وجدت نفسك غارقاً مثلاً فى حسابات عويصة) محاولة تنشيط مخك الأيمن عن طريق منخرك الأيسر.. اما ان بدت لك سمفونيات بيتهوفن كضوضاء تشبة قدوراً تسقط على الأرض فقد يساعدك شفط الهواء من منخرك الأيسر على استيعابها والتمتع بنغماتها! وفي جميع الأحوال يمكنك تبني الفكرة كطريقة نفسية للارتفاع بملكاتك الذهنية (وأقول نفسية كون مجرد تصديقك بها يوحي بحدوث ذلك فعلاً حتى إن لم يُثبت التشريح حقيقتها)!!

ما ثبتت صحته فعلاً؛ هو دور التمارين الرياضية والذهنية في رفع ملكاتنا العقلية.

فالتمارين الرياضية تزود المخ بالمزيد من الهواء والدماء وتبقى "الطرق سالكة" لتغذيته حتى سن متقدمة. فرغم انه لا يشكل سوى جزء صغير من وزن الجسم (2%) الا انه يستهلك ربع مايحمله الدم من أوكسجين وغذاء. ومن هذا المنطلق تعد الرياضة أفضل مايشحذ الذهن ويزيد الذكاء ويقاوم الخرف، فى حين ان الكسل وقلة الحركة من اكثر ما يسبب خمول الفكر وضعف الذاكرة وبلادة الذهن!

اما التمارين (الذهنية) فلا تخرج عن قاعدة "العضو الذي يستعمل اكثر من غيره ينمو بشكل أفضل".. فكما ان العضلات تنمو بكثرة التمارين؛ يرتقي الدماغ بكثرة مايواجهه من معضلات ومواقف ذهنية معقدة - بما في ذلك الألعاب التي تعتمد على التفكير والحساب.. فحين يواجه بمشكلة ذهنية ويستطيع التغلب عليها تصبح الطريقة التي حل بها تلك المشكلة مرجعاً (وقالباً جاهزاً) يهيئ له التعامل مع المشاكل القادمة بشكل أسرع وأفضل.. أضف لذلك ان تخطي الذهن لمعضلة بعد معضلة وأحجية بعد أحجية يطبعه بطابع الجراءة والتحدي والرغبة في اقتحام كل جديد - وهي الصفات التي تميز العقول المبدعة والشخصيات القيادية!!

وبناء عليه يعتقد علماء النفس والتربية ان كثرة الاطلاع وديمومته.. وتعمد حل الاحجيات والكلمات المتقاطعة والشطرنج وتفكيك وتركيب القطع الميكانيكية والالكترونية.. كلها من "التمارين الذهنية" التي تشحذ الذهن وترفع من مستوى الذكاء!

وبالمناسبة؛ طالما أن لهذا المقال (طبيعة تحليلية ومنطقية) دعني أسألك:

هل يبدو منخرك الأيمن سالكاً أكثر من الأيسر!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...