الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

المهنة: «تحرّي خاص»..


صوّت مجلس الشورى البارحة على إنشاء شركات (تحرّي خاصة) بالقضايا المدنية.. وحين قرأت الخبر لم أخف دهشتي من إمكانية اعترافنا بمهنة لم نكن نراها سوى في المسلسلات البوليسية وأفلام الأكشن الأمريكية..

ف(التحري الخاص) مهنة معترف بها منذ الستينيات في أمريكا وكندا بحيث يمكن لأي مواطن هناك استئجار خدماته لمواجهة أي مشكلة تعترض طريقه.. وهي اليوم منتشرة في أوروبا واليابان وتتنوع بين تحريين متخصصين في إثبات الجرائم (على نمط كولومبو وشرلوك هولمز) وغسيل الأموال والتجسس الصناعي (من خلال مؤسسات متخصصة بهذا القطاع)..

وأذكر أنني قرأت قبل فترة قصة أب فرنسي ظل يطارد طبيبا ألمانيا طوال عشرين عاما بتهمة اغتصاب ابنته وقتلها تحت التخدير. وفي حين برئ الطبيب في ألمانيا دين في فرنسا بفضل توظيف الأب لتحريين جمعوا معلومات وشهادات من مريضات تعرضن بدورهن للاغتصاب تحت التخدير.. وذات يوم اتصل به أحد التحريين ليبلغه أن الطبيب المذكور سيدخل الأراضي الفرنسية ولكنه لن يمكث فيها أكثر من ست ساعات.. ولأن عمل التحري الخاص لا يشمل القبض والمداهمة (فهذا عمل الشرطة والجهات الأمنية) قاد الأب سيارته لمدة خمس ساعات حتى فاجأ الطبيب في كوخ عشيقته فشد وثاقة وسلمه للسلطات الفرنسية - التي وإن أسعدها القبض عليه إلا أنها سجنت الأب أيضا.. فهذا أيضا عمل الشرطة والجهات الأمنية!

.. ورغم أن مهمة التحري الخاص تشمل جرائم القتل والاغتصاب والاختلاس إلا أن أهم وظيفتين يُكلف بهما اليوم في أمريكا هما: متابعة المدينين للبنوك، وإثبات خيانة أحد الزوجين بالصور والأدلة!!

.. وحسب ما فهمت اقتصر تصويت مجلس الشورى البارحة على إنشاء شركات (تحري خاصة) بالقضايا المدنية فقط - مثل متابعة سجل المقترضين، وحملة التخصصات العليا، والتحري عن المرشحين للمناصب الحساسة، وجمع ما يثبت الرشوة والتزوير واستغلال المنصب..

وأعتقد شخصيا أن وجود المهنة أصبح ضرورة ملحة كون الجهات الأمنية ذاتها غير مخولة بمتابعة كثير من القضايا المدنية - مثل التأكد من سيرة الموظفين أو طالبي الزواج - أو التي لم يصدر بها حكم قانوني - مثل التأخر عن تسديد القروض والأقساط..

أضف لهذا أننا - في السعودية - نمارس هذه المهمة منذ زمن بعيد بطريقة "غير رسمية".. فنحن مثلا لا نتحرج من السؤال عن خلفيات العريس الغريب أو الجار الجديد أو المدير المعين حديثا - أضف لهذا دخلت مهام البحث والتحري بالتدريج ضمن أعمال المحامين والمعقبين وشركات التقسيط التي توظف "فتوات" يسحبون سيارات عملائها المتأخرين عن السداد..

والحقيقة هي أن بعض الدول العربية سبقتنا في ظهور مكاتب تحرّ من هذا النوع مثل لبنان وتونس ومصر.. وأذكر أنني قرأت إعلانا لمن دعا نفسه "أول مكتب مرخص في مصر لأعمال التحري".. وكان من ضمن مهامه البحث عن الأشخاص المفقودين أو الهاربين أو المتأخرين عن السداد أو من يهددون حياة العميل..

ورغم أن المغرب لم تصرح رسميا لمكاتب التحريات يوجد الكثير منها في المدن الكبرى وتتركز مهامها في رصد تحركات الأزواج والأبناء والأشخاص المشكوك في تصرفاتهم.. ولأنها لا تملك ترخيصا رسميا لا يعترف بها القانون ولا تأخذ المحاكم بتقاريرها الخاصة (وهذه نقطة مهمة تذكرنا بضرورة ظهور تنظيم رسمي في السعودية كي تملك هذه المكاتب حجة وسندا قانونيا)..

.. على أي حال؛ حتى يصدر تنظيم كهذا أتوقع أن أكبر مهمتين سينشغل بهما التحري الخاص في السعودية هما:

التحري عن خلفية طالبي الزواج.

التأكد من مؤهلات حملة الشهادات العليا (كيف لا يتحدث الانجليزية مثلا رغم حصوله على الدكتوراه من انجلترا)!!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...