الأحد، 27 أكتوبر 2019

نريد هيئة لمكافحة الخرافة


كثيرة هي الهيئات في بلادنا وبالتالي لابأس من إضافة واحدة جديدة تحت مسمى "هيئة مكافحة الخرافة".

فبالإضافة الى كثرة الخرافات نتميز عن بقية الشعوب بأخذها بشكل جدي ومنحها ثياب العصمة والتأكيد.. صحيح أن جميع المجتمعات تملك خرافات ومعتقدات غريبة ولكنها في النهاية تتعامل معها كخرافة معزولة عن واقعها العملي وتقدمها المادي.. وفي المقابل تسيطر الخرافة على عقولنا بطريقة تظهر على تفكيرنا وتصرفاتنا وتنميتنا وقراراتنا المصيرية.. خذ كمثال خزعبلات تفسير الأحلام التي يظهر تأثيرها علينا وعلى المحيطين بنا في اليوم التالي. وخذ أيضاً العين (التي وإن كانت حقاً) يصبح ربطها بكل مصيبة كارثة اجتماعية تدخلنا في دوامة لا تنتهي من الشكوك والظنون والهواجس النفسية (فقبل أن تصاب بالعين وهو احتمال بعيد كونك تقرأ المعوذتين ستخسر العديد من الأصدقاء والأقارب بسبب شكك فيهم، وبعدك عنهم، وظنك السيئ تجاههم، وبالتالي اعتزالك لهم لكل هذه الأسباب).

أذكر أنني قرأت دراسة أجراها المركز المصري للبحوث الاجتماعية أكدت وجود 200 خرافة رئيسية تسيطر على العقل العربي.. وهناك دراسة أخرى للباحث محمد عبدالعظيم أكدت وجود دجال واحد لكل ألف مواطن مصري وأن نصف النساء هناك يؤمن بأعمال الشعوذة والدجل!

ورغم أننا لا نحتاج في السعودية لدراسات مماثلة (كون مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد هوسنا بكل ذلك) قرأت قبل فترة مقالاً جميلاً بعنوان "أخطر خمس خرافات سعودية" للأستاذ محمد البلادي يؤكد فيه سقوط خرافة الغول القديمة مقابل خرافات عصرية أشد خطرًا على مجتمعنا.. مثل: أن عدد الإناث في السعودية ضعف عدد الذكور (في حين أن الحقيقة هي أن نسبة الذكور تبلغ 51.8% مقابل 48.2%) وأن الأعشاب إذا ما نفعت ما تضر (رغم أن من الأعشاب ماهو سام ومخدر ويسبب إعاقات دائمة)!

أما الثالثة فهي "مسحور نعم.. ومعيون نعم.. مريض لا" (وهو مايعيدنا لظاهرة تجاهل الأسباب الحقيقية لمشاكلنا وتعليقها على شماعة العين والسحر والحسد).

وهناك أيضاً ادعاء أن اللحوم الحمراء أكثر فائدة من اللحوم البيضاء (وهي معلومة خاطئة رفعت أسعار الخرفان وفصلتها في مقال: أربعه أنياب في الشهر).

أما الخرافة الخامسة فهي أن الأمان الوظيفي في القطاع الحكومي الأمر الذي حول هذا القطاع إلى مايشبة مؤسسات الرعاية الاجتماعية (وراجع مقال: أضرار الوظيفة الحكومية على الفرد والمجتمع)!

من أجل كل هذا أتمنى بالفعل إنشاء هيئة خاصة لمحاربة الخرافة على أساس فقهي وعلمي وإحصائي مضاد (كون عدم فعل ذلك يعني تلقائياً ترك الساحة مفتوحة للمستنفعين والمشعوذين).. كما أتمنى ظهور ساحات نقاش مفتوحة (في مواقع التواصل الاجتماعي وفضاءات الإنترنت) تسمح للخبراء والمختصين دحض الخرافات في مهدها قبل أن تتضخم وتدخل دائرة العصمة.

وحتى نفعل الأمرين إليك مني أول نصيحتين:

الأولى: لا تقبل أي ادعاء مالم يرد ذكره صراحة في القرآن الكريم أو السنة المؤكدة أو مصدر علمي وإخباري موثوق.

والثانية: لا تساهم في نشر الخرافة، ولا تورثها لأبنائك، ولا حتى تتحدث بها أمامهم (كون تكرارها على مسامعهم ينقلها بمرور الزمن إلى خانة الحقائق المقدسة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...