الأحد، 27 أكتوبر 2019

أين ذهبت مليارات العراق؟


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا)... وفي البداية ظننت حديثه عن هذا الكنز على سبيل المجاز (كونه قد يكون نفطاً أو دولارات أو حتى يورانيوم مخصباً) لولا وجود كلمة ذهب في نص الحديث. وحتى يحقق الزمان هذه النبوءة الذهبية نشير إلى أن العراق فقد كنوزاً لا تعد ولا تحصى منذ تولي صدام حسين للسلطة وحتى يومنا الحاضر.. فقد خسر مليوني شاب في حربه العبثية مع إيران.. وفقد أربع مئة ألف روح أخرى بعد غزو الكويت... وفقد بلايين الدولارات خلال الحربين وفترة الحصار الاقتصادي..

كما فقد آلاف القطع الأثرية التي نهبت من متاحفه الوطنية وبيعت في أوروبا.. وقبل أن يختفي صدام مع ابنيه استولوا على بلايين العملات الصعبة من بنك بغداد المركزي.. وحين مات صدام مع ابنيه لم يعرف أحد (حتى اليوم) أين ذهبت كل هذه الأموال؟. أما آخر ما فضح أمره فظهر (في13 أكتوبر المنصرم في صحيفة النيويورك تايمز) التي تحدثت عن عشرين مليار دولار لا يعلم أحد مصيرها حتى اليوم.

والقصة بدأت قبل عشر سنوات حين رفض مجلس الكونجرس الأمريكي تقديم مساعدة مالية ضخمة للحكومة العراقية الجديدة طلبتها إدارة الرئيس بوش.. وإزاء هذا الرفض علمت إدارة بوش أن هناك أرصدة مجمدة للحكومة العراقية في المصارف الأمريكية تقرر استخدامها لدعم الحكومة العراقية الجديدة.. وهكذا تم شحن مبالغ نقدية هائلة إلى بغداد في حاويات لا تقل سعة كل منها عن مليار دولار.. ولكن واشنطن بدأت تدرك شيئاً فشيئاً أن الأموال المحولة لم تصرف لصالح الشعب العراقي، بل تلاشت بالتدريج لصالح فئات متنفذة في الحكومات المتعاقبة (خصوصا حكومة نوري المالكي الأخيرة)..

وكان بوش منذ البداية قد كلف صديقه رجل الأعمال ستيورات باون بتشكيل لجنة لتتبع مصير هذه الأموال.. وبقي الأمر سراً طوال السنوات الماضية حتى صرح باون قبل أيام فقط بأن الأموال المحولة دخلت في جيوب شخصيات متنفذة في حين تم تحويل مالا يقل عن 1,6 مليار دولار إلى "مناطق" يسيطر عليها حزب الله في لبنان.. وحسب قول باون أنه أبلغ المخابرات الأمريكية لاحقاً بالنتائج التي توصل إليها وطلب منها مواصلة التحقيقات ولكنها لم تتحرك بحجة أن المال "عراقي".. وحين سُئل نوري المالكي مباشرة عن مصير هذه الأموال امتعض من السؤال وبدأ يرمي اللوم على أمريكا بسبب تحويلها كأوراق نقدية (!).

وخلال تحقيقاته أدرك باون أن مستوى النهب الاقتصادي في نظام نوري المالكي فاق ماكان يحدث زمن صدام حسين.. وحين عثر على وثائق تؤكد نقل جزء من الأموال إلى لبنان تواصل مع السفارة الأمريكية في بيروت فاكتشف معرفتها بالأمر وأخبرته بعدم التدخل كونها موجودة في مناطق يسيطر عليها حزب الله.. ومؤخراً أدرك باون بأن جهوده انتهت خصوصاً بعد رفض إدارة أوباما التعاون معه فقررت التصريح بالحقيقة لصحيفة النيويورك تايمز.

على أي حال؛ هذه قصة واحدة من قصص كثيرة تشمل نهب البنك المركزي (قبل دخول القوات الأمريكية لبغداد بساعات قليلة) واختفاء أرصدة صدام حسين وعائلته في الخارج، وعدم مطالبة إيران باستعادة سلاح الطيران (الذي هرب إليها أثناء الغزو الأمريكي)، ناهيك عن تمويل الميليشيات الشيعية في العراق ولبنان من عوائد نفطية غير مسجلة.

وقريبا ستنحسر مياه الفرات (ربما بسبب مشاريع السدود التركية) عن كنز جديد يشعل قلاقل وحروباً من أخذ منها ندم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...