الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

أحزاب القراصنة في العالم


من مساوئ الديمقراطية القليلة على أي حال السماح لكل من "هب ودب" بإنشاء حزب سياسي ينافس على مقاعد البرلمان ورئاسة الدولة.. جهلنا بالفكرة الديمقراطية لا يجعلنا نتصور إمكانية ظهور"حزب للحمقى" في إنجلترا يطالب برمي النفايات في فرنسا وسرقة البنوك من سويسرا وإرسال المجرمين إلى جزيرة استراليا.. وحزب كهذا (يهون أمره) أمام أحزاب عنصرية أو متطرفة تعتمد على تأجيج عواطف الناخبين وإثارة الأحقاد ضد الأقليات والأجانب.. أحزاب تطالب بطرد الجزائريين من فرنسا، أو الباكستانيين من إنجلترا، أو الأتراك من ألمانيا، أو حتى المسلمين من عموم الهند.. أحزاب ذات أهداف ضيقة مثل "الخضر" في ألمانيا و"أنصار البيئة" في هولندا الذي سبق وطالب بخياطة مؤخرات البقر للحد من إنتاجها المفرط لغاز الميثان أو تطالب بإنقاذ الدجاج والأبقار من المجازر اليومية التي تتعرض لها حول العالم....!!

وهكذا حين سمعت لأول مرة عن إنشاء "حزب القراصنة" في السويد تخيلته أحد هذه الأحزاب المجنونة.. خمنت من الاسم أنه سيطالب بسرقة سفن الشحن العالمية وتحويلها للموانئ السويدية (وهي بالمناسبة فكرة لم تفت على أخواننا القراصنة في الصومال).. غير أن حزب القراصنة السويدي (الذي ظهرت بعده أحزاب مماثلة في أكثر من أربعين دولة) يعتمد على فكرة القرصنة المعرفية، والمشاركة الإبداعية، وإلغاء الحقوق الفكرية..

وكان مؤسس الحزب ريكارد فالكفينغة وهو في الأصل من دعاة الحرية المدنية قد أسس حزبه ردا على تيار سياسي يطالب بتشديد قوانين الملكية الفكرية وحقوق النشر والابتكار.. وكان هذا التيار يصف من يريدها مفتوحة ومجانية ب"قراصنة الأفكار" الأمر الذي دعا فالكفينغة لإطلاق هذا الاسم على حزبه الجديد.

وأحزاب القراصنة عموماً تؤمن بأن التطور البشري والاجتماعي لا يتحقق دون شفافية كاملة، ومعارف متاحة، وانتشار مايسمى بالمصادر المفتوحة. وهي تدعو الى حيادية الانترنت وعدم سيطرة أمريكا أو الشركات الكبرى عليها وعدم حجبها أو التحكم بها بأي طريقة كانت.. كما تطالب بحرية تدفق المعلومات وحق الفرد في الاطلاع على الأسرار الرسمية والوثائق السرية وإعادة نشرها على الملأ (وهذا في الحقيقة سر حمايتها لمؤسس موقع ويكليكس جوليان أسانج، ومساندته في إعادة فتح موقعه في السويد بعد محاصرته في معظم دول العالم).

وحين أسس فالكفينغة حزبه عام 2006 لم يأخذه أحد على محمل الجد (بل وعارضه بشدة الكتاب والمبدعون وشركات التقنية التي تحتكر الابتكارات الجديدة) غير أنه حقق شعبية كبيرة أهلته لدخول البرلمان السويدي ثم الأوروبي، وكسب مقاعد تفوقت على أحزاب أقدم منه بكثير.

أما المفاجأة التالية فكانت في انتقال الفكرة ذاتها إلى دول كثيرة حول العالم بحيث نشأت أحزاب للقراصنة في النمسا وألمانيا والدنمرك وفرنسا واليونان وكندا واستراليا وبريطانيا وفنلندا بل وحتى في دول عربية مثل تونس والمغرب واليمن... حتى انتهى الأمر عام 2010 إلى تأسيس مايعرف بتجمع أحزاب القراصنة العالمي أو Pirates Parties International

ورغم الرعب الذي يوحي به الاسم إلا أنها تسعى لهدف نبيل يطالب بتعميم المعرفة، وتحقيق الشفافية، وفتح المصادر، وإزالة التشريعات التي تقف عائقاً أمام حق الإنسان العادي في الاطلاع والمشاركة. ورغم أنه ليس من مصلحتي ككاتب ومؤلف مساندة فكرة المصادر المفتوحة وإلغاء الحقوق الفكرية؛ إلا أنني على قناعة أيضاً بأن الشفافية أفضل طريقة لمحاربة الفساد، وحرية الاطلاع أفضل وسيلة للارتقاء بالفكر البشري، والمشاركة العلمية تفيد المجتمعات المتخلفة أكثر من المتقدمة.. وفرق كبير بين من يطالب بحق الجميع في المعرفة والاطلاع، وبين من يحتكر حق المعرفة والاطلاع ويعادي من يدعيه لسواه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...