الأحد، 27 أكتوبر 2019

شوكولاتا داعش وحلويات الإيدز!


هذا المقال بما فيه العنوان خاص بعلم التسويق وليس له علاقة بالمنظمات الإرهابية ولا الأمراض الجنسية.. فقد قررت كتابته بعد أن سمعت بالورطة التي تمر بها شركة حلويات بلجيكية شهيرة تدعى (إيطاليو سويس) بسبب داعش.. فرغم أنها تأسست عام 1923 إلا أنها قررت تغيير اسمها القديم قبل عام فقط لأنه لم يعد لها علاقة بإيطاليا وسويسرا كما يوحي الاسم.. ولكن يبدو أنها وقعت في ورطة أكبر كون الاسم الجديد الذي اختارته ISIS هو الاسم الشائع لمنظمة داعش في أوربا ويعد اختصارا ل"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام".

واليوم تعاني الشركة من انخفاض متواصل في مبيعاتها بسبب التأثير السلبي للاسم عليها خصوصا أن معظم الناس كانوا يعرفونها بالاسم القديم وأصبحوا يعتقدون أن الشوكولاتا الجديدة قادمة من سورية أو العراق!

هذا الحظ (النحس) يذكرني بقصة مشابهه حدثت قبل ثلاثين عاما لحلوى الإيدز الشهيرة.. وتعود القصة الى عام 1946 حين حضر كيميائي انجليزي يدعى سايمون كارل حلوى عشبية تدعى (إيديز) ادعى أنها تؤدي للرشاقة وكبح الشهية.. وحققت الماركة نجاحا كبيرا طوال 45 عاما مما دعا شركة مارتن للأغذية لشراء حقوق تصنيعها عام 1981 بمليار دولار (كيف لا، ونجاحها على أرض الواقع معروف ومضمون). ولكن بعد شهرين فقط اكتشفت أول حالة لمرض خطير يدعى "نقص المناعة المكتسب" أطلق عليه اختصارا اسم "إيدز".. وبسرعة توقفت مبيعات حلوى "إيديز" لأن الناس اعتقدوا أن لها علاقة بمرض الإيدز (خصوصا في تلك الفترة حيث التخبط حول سبب المرض الحقيقي)!

وحوادث كهذه تعد ضربة قاصمة في عالم التجارة والأعمال يحتار أمامها علم التسويق ولا يتمناها أي رجل أعمال لمنافسيه.. وهي احتمال وارد لم تنج منه حتى الشركات الكبرى، خصوصا حين يتعلق الأمر باللغات والثقافات الأخرى (وجميعنا يتذكر الورطة التي مرت بها بعض شركات الألبان السعودية بسبب ارتباطها ببعض المنتجات الدنمركية أيام أزمة الرسوم المسيئة).

وأذكر أنني كتبت عن كارثة تشالنجر (عام 1986) وأشرت خلالها الى أن شركة فورد نظمت حملة دعائية ضخمة قارنت فيها سيارتها العائلية الجديدة يوروستار بمكوك الفضاء تشالنجر وكانت تظهر في سباق معه في إعلاناتها الرئيسية. ونجحت الحملة فعلا في البداية وارتبطت السيارة في أذهان الناس بمكوك الفضاء وتقنيته الجبارة.. ولكن في يناير 1986 انفجر المكوك تشالنجر أمام أعين الملايين ومات كل الرواد فيه. وعلى الفور تشاءم الناس من السيارة وانخفضت مبيعاتها بسرعة ولم تفلح محاولات الشركة في إنقاذ الاسم الأمر الذي اضطرها في النهاية الى تغييره وتغيير شكل السيارة ذاتها!

وفي حالات نادرة قد يحدث العكس تماما وتنقلب شهرة الاسم إلى كارثة اقتصادية حين يتم تعميمه على كافة المنتجات المماثلة له.. فمثل هذا التعميم يسبب خسارة للشركة المنتجة من حيث انشغال الناس بمنتجات مشابهة لا تخصها وأيضا من حيث الإساءة الى سمعة منتجها الأصلي حين يتم إطلاقه على منتجات أقل منه جودة.. خذ كمثال شركة كرايزلر التي كانت أول من أنتج سيارة الدفع الرباعي تحت إسم "جييب" لصالح الجيش الأمريكي؛ وما حصل بعد ذلك أن هذا الاسم اشتهر على حساب المنتجات المشابهة لدرجة أن الناس أطلقت اسم جيب (الماركة الخاصة بشركة كرايزلر) على سيارة تويوتا المشابهة اللاندكروزر وسيارة نيسان الباترول بل وصل الخلط حد أننا نطلق عليها جيب تويوتا وجيب فورد وجيب رانج روفر!

احتمالات كهذه هي مادفع شركة كرايزلر لتذكير المشاهدين بين الحين والآخر بأنه "لا جييب إلا جييب".. وهي بالمناسبة إستراتيجية ناجحة أرجو أن تطبقها داعش (منعا للالتباس) فوق مقاطعها الخاصة بجز الرؤوس "لا داعش إلا داعش".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...