الأحد، 27 أكتوبر 2019

أزمات غير سلبية


لكل مجتمع أزماته ومشاكله الخاصة.. فالهند مشكلتها المزمنة كثرة المواليد، واليمن انتشار الأسلحة، والعراق الصراعات المذهبية، والصومال غياب الدولة، ونيجيريا سرقة الثروة، والأرجنتين تراكم الديون، والصين الخوف من كثرة النسل -وفي نفس الوقت- من قلة الأطفال!!

وحين نتحدث عن الأزمات العالمية، نتحدث غالبا عن جانب سلبي سيئ، دون أن يخطر ببالنا وجود مجتمعات ودول تعاني من أزمات إيجابية جميلة..

خذ كمثال سويسرا التي تعاني من كثرة الكاش والتمتع برصيد مالي هائل واقتصاد أفضل من الممتاز -لدرجة أصدرت مؤخراً بخفض الفائدة لصفر للتخفيف من تدفق الثروات العالمية إليها-، فالعالم ببساطة يثق في البنوك السويسرية ولم يكف يوماً عن ملئها بالمال والثروات والأرصدة الهاربة.. أضف لذلك يتمتع السويسريون بمهارة اقتصادية واستقلالية مالية أتاحت لهم النجاة من أزمات تتكرر كل حين.. ففي حين عانى العالم من أزمة 2008 وعانت أوروبا من انحدار اليورو وانهيار الاقتصاد اليوناني، كان الاقتصاد السويسري يعيش أفضل أيامه الأمر الذي رفع سعر صرف عملته 30% مقارنة باليورو والدولار. وهكذا وقع السويسريون ضحية نجاحهم كون ارتفاع قيمة الفرنك السويسري رفع قيمة السلع المصدرة للخارج.. الأمر الذي حدَّ بدوره من قدرة شعوب "الخارج" على شرائها بسبب سعرها المرتفع!!

خذ كمثال آخر النرويج.. فسكان هذا البلد يأتون في المركز الأول من حيث الدخل (أكثر من 55 ألف دولار للفرد) ويملكون صندوقا للأجيال تراكمت فيه الأموال لدرجة أصبح نصيب كل مواطن فيه يزيد عن المليون دولار، وكأن هذا لا يكفي حتى تدفق بقربهم "نفط الشمال" الأمر الذي أضاف لخزينة النرويج مليارات إضافية لا تعرف ماذا تفعل بها (خصوصا أن عدد الشعب كله لا يتجاوز الخمسة ملايين)، وهكذا؛ في حين عانى العالم خلال السنوات الأخيرة من أزمات اقتصادية، وحروب سياسية، وصراعات دينية ومذهبية، كانت الأزمة الوحيدة التي عانى منها النرويجيون هي انخفاض إمدادات الزبدة عام 2011 الأمر الذي استدعى عدة جلسات في البرلمان (ماسويناها نحن حين ارتفع سعر الأزر وأصبح مستقبل الكبسة في خطر)!!

.. وبطبيعة الحال الأزمات الإيجابية لا تتعلق بالمال والاقتصاد فقط؛ فهناك أزمات إيجابية تشي بالمستوى العلمي والطبي والبحثي في الدول المتقدمة.. ففي عام 2010 مثلاً ناقش البرلمان الألماني أسباب تراجع نصيب ألمانيا من جوائز نوبل في العلوم والفيزياء.. كما ناقش الهولنديون أسباب تخليهم عن المركز الأول عالمياً في الأبحاث العلمية مقارنة بعدد الشعب.. أما اليابانيون فيفكرون جدياً في (تصعيب) إجراءات نيل براءات الاختراع -كونه لا يعقل أن ينال كل مواطن براءتي اختراع أو ثلاثة-، أما في أمريكا فعانت الجامعات، ومراكز البحث، وشركات الأدوية من أزمة شهيرة بسبب النقص الحاد في فئران التجارب -حيث شب حريق هائل عام 1989 في مركز استيلاد الفئران في ولاية ميين تسبب في قتل 400 ألف فأر معدل جينياً أو مهيأً مخبرياً الأمر الذي تسبب في إيقاف عمل 6500 مختبر، و77 شركة أدوية، و92000 ألف باحث طبي.!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...