الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

The Twilight Zone


تحدثت في آخر مقال "مندوب قرية البشعين" عن مسلسل رائع يدعى منطقة الغروب (أو نطاق الشفق).. ولم يفاجئني استغراب معظم القراء وعدم سماعهم من قبل بهذا المسلسل كونه بُث لأول مرة قبل ولادتي أنا. فهو في الأصل مسلسل "أبيض وأسود" أنتجته محطة CBS الأمريكية عام 1959. وبفضل شعبيته وبقائه في الذاكرة عادت وقدمته ملونا في عقد الثمانينات ثم أنتجت منه سلسلة جديدة عامي 2002 و 2003..

وكل حلقة منه (على قصرها) تتضمن حكاية جديدة، وأبطال مختلفين، ونهاية تصدم المشاهدين.. ورغم أن الأحداث تبدأ في عالم الواقع إلا أنها سرعان ماتدخل عالم الفنتازيا والخيال العلمي والمواقف السريالية الغريبة بدون عنف أو جنس أو لغة بذيئة! فهناك مثلا حلقة (بالأبيض والأسود) عن رجل مهووس بالقراءة ومطالعة الكتب لدرجة منعته زوجته من القراءة في المنزل أو إدخال أي مطبوعة إليه.. وحتى في البنك منعه رئيسه من القراءة أثناء الدوام وهدده بالطرد لو رأى معه أي كتاب أو صحيفة.. وأمام هذا الحصار المزدوج لم يجد غير (غرفة المال الحديدية والمحصنة في البنك) يقرأ فيها أثناء فترة "الغذاء"..

وذات يوم (وبعدما أغلق على نفسه الباب الحديدي الثقيل لخزنة المصرف) وقع انفجار عظيم هز الأرض بعنف لدرجة وقع مغشيا عليه. وحين أفاق من غيبوبته لبس نظارته السميكة وفتح باب الغرفة فاكتشف أن انفجارا نوويا دمر المدينة وقتل كافة البشر فيها (في حين سلم هو بفضل الغرفة المحصنة). وأثناء سيره بين البنايات المنهارة شاهد "المكتبة العامة" فعاد إليه هوس الكتب فانطلق نحوها ناسياً مصيبته الكبرى.. وحين وصل للمكتبة أخذ يقبلها ويحضن الكتب بشوق ويقسمها لأكوام (هذه يقرأها في يناير والثانية في فبراير والثالثة في مارس).. وحين انتهى رفع ذراعية بفرح وصرخ: "وأخيرا أصبح لدي كل الوقت لقراءة كل شيء".. إلا أنه في هذه اللحظة بالذات يتعثر على درج المكتبة ويكسر نظارته السميكة (التي لا يرى بدونها) فيصبح أعمى بين كتب لا يستطيع قراءتها ووحيدا في عالم يملكه وحده!!

ومن الحلقات الملونة (بين 1985 و2003) حلقة تدعى "قليلا من الصمت" .. ففي عقد الثمانينات (حين كان السباق النووي في أوجه بين روسيا وأمريكا) عاشت ربة بيت في وضع أسري متوتر.. فالزوج دائم التذمر، والأطفال لا يكفون عن الصراخ، والتلفزيون لا يكف عن تذكير الناس باحتمال سقوط الصواريخ الروسية فوق رؤوسهم.. وبعد أن يخرج الزوج للعمل والأطفال للمدارس تغلق التلفزيون وتذهب للحديقة لتمارس هوايتها المفضلة "غرس الزهور".. وأثناء حفر الأرض تعثر على قلادة هندية قديمة غريبة تتأملها لفترة ثم تضعها حول رقبتها وتتابع العمل.. وفي صباح اليوم التالي وأثناء تحضير الفطور تمر بنفس الموقف من الصراخ والعراك والتذمر فتنفجر في زوجها وأطفالها وتصرخ بقوة: "كفى، أريد بعض الصمت"..

وفجأة يحدث مالم يكن في الحسبان.. فعائلتها لم تصمت فقط بل توقفت وتجمدت على ذات الحركة ونفس اللحظة (حتى الحليب ثبت في الهواء أثناء نزوله في الكأس).. وسرعان ما أدركت أن "القلادة" تتيح لها إيقاف الزمن متى أرادت/ وإعادته متى أرادت.. وهكذا أصبحت تستخدمها لإيقاف الزمن ليس فقط حين تنزعج من زوجها وأطفالها بل وحين تخرج وتريد تلافي الازدحام فتجمد حركة الناس والسيارات

وذات يوم قطع التلفزيون بثه المعتاد وأعلن أن الصواريخ النووية الروسية في طريقها لأمريكا.. وحين خرجت للشارع شاهدت الناس ينظرون برعب إلى السماء فرفعت رأسها وشاهدت ثلاثة صواريخ روسية تنزل باتجاة مدينتها. وبدون شعور صرخت "لالالا" فتوقف الزمن، وتجمدت حركة الناس، وثبتت الصواريخ النووية في الهواء قبل نزولها على المدينة.. وهكذا تقع في مأزق لا تحسد عليه: فإن أعادت الزمن لمجراه الطبيعي تسقط الصواريخ على البلدة وتقتل الناس، وإن تركته مجمدا تعيش وحيدة ويبقى أطفالها أصناما للأبد!! .. ولأن مساحة الزاوية انتهت، على الراغبين برؤية المزيد إدخال اسم المقال (The Twilight Zone) في اليوتيوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...