الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

مهندس ضربات القلب


يزخر التاريخ بأسماء طغاة أزهقوا أرواح الملايين وقليلا ما يذكر أطباء وعلماء أنقذوا حياة الملايين بفضل اكتشافاتهم الطبية الرائعة.. وبالطبع من المفهوم كيف يمكن لطبيب ان ينقذ حياة الملايين ولكن من الصعب تخيل كيف يمكن لمهندس كهربائي أن يفعل ذلك!

في عام 1951 حين ادرك المهندس الامريكى ويلسون جريتباتش ان صنع آلة لتنظيم ضربات القلب سينقذ ملايين المرضى. ففي القلب يوجد جزء يدعى "التجويف العقدي" يطلق نبضة كهربائية كل ثانية تجعل القلب ينبض باستمرار. ولكن فى حال حصول انسداد قلبي ينقطع الاتصال بين التجويف العقدي وبطين القلب فلا تصل النبضة فيتوقف عمل القلب.. وفي هذه الحالة يصبح من الضروري زرع جهاز بديل يزود القلب بنبضات كهربائية منتظمة تحثه على الاستمرار كما لو كان يتلقى النبضات الكهربائية بصورة طبيعية!!

وقد سمع جريتباتش لأول مرة بمرض الانسداد القلبي أثناء تناوله الغداء مع جراح من جامعة كورنيل. وكونه مهندسا فكر على الفور بابتكار جهاز كهربائي يزرع فى صدر المريض ويقوم بتحفيز ضربات القلب بإطلاق نبضات كهربائية كل ثانية !!

فى ذلك الوقت كان من المستحيل صنع جهاز بالصغر الذى تصوره جريتباتش. ولكن أثناء محاولته اخترع طبيب يدعى بول زول جهازا خارجيا ضخما يؤدى نفس الغرض ولكنه يتصل بالقلب من خلال "أفياش" تظهر من صدر المريض!!

... ضخامة الجهاز الذي اخترعه الدكتور بول وضرورة ارتباط المريض به جعله غير عملي مما شجع جريباتش على الاستمرار في فكرته الأولى. وفجأة اصبح حلم جريتباتش ممكنا حين تم ابتكار الترانزستور (وهو تركيبة معدنية بالغة الصغر لاتستهلك كمية تذكر من الكهرباء). وهكذا لم يبق أمامه سوى إقناع احد الجراحين باستعمال ابتكاره الجديد. وكانت أول نابضة عملية تتكون من بطارية وشريحة الكترونية وسلكين كهربائيين . وهي تثبت على سطح او داخل تجويف القلب وتطلق نبضة في الثانية تحث القلب على الخفقان ..

وقد نجح جريتباتش فى زرع أول نابضة كهربائية فى جسم كلب عام 1958 بمعاونة طبيب يدعى تشارداك. ولكن تلك النابضة لم تستطع الصمود لأكثر من أربع ساعات بسبب تسرب الدم للنابضة؛ وانتهاء البطارية بل فترة زمنية.. المشكلة الأولى تمت معالجتها لاحقا بوضع النابضة فى وعاء معدني محكم لايتفاعل مع الجسم. أما بالنسبة لانتهاء الكهرباء فقد كان جريتباتش محظوظا مرة أخرى إذ ترافقت فكرته مع اختراع بطارية الليثيوم التى تعمر حتى عشر سنوات.

وفى عام 1960 بدأت عمليات زرع النابضة في أجساد المرضى فى مستشفى بافلو بولاية نيويورك.. أما اليوم فيقدر ان مليون شخص يتم إنقاذهم سنويا من خلال زرع النابضة فى قلوبهم.. (ولك ان تضرب هذا العدد بالسنوات الماضية.. والسنوات التالية.. وتقارن النتيجة بأي قائد عسكري يبجله التاريخ)!

بقي ان أقول شكرا جريتباتش على إسهامك في إبقاء جدتي على قيد الحياة لعشرة أعوام إضافية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...