الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

لماذا أحب أديسون؟


سأخبرك لماذا: لأن قيمة الانسان في الحياة تساوي مجموع أفضاله على الناس.. لأن أهميته في الحياة تنبع من أهمية ما قدمه لجميع البشر.. لأن منزلته في الحياة توازي إضافته للرصيد الإنساني والإنجاز الحضاري.. لأنه لا يسعنا ببساطة الحكم إلا على ما يحدث في (الحياة) ولا نجزم بمصير أحد في (الآخرة).. ولهذا كله لا يمكننا الحكم على البشر إلا من خلال الإنجازات التي تخدم "البشر" بصرف النظر عن هوية المبدع وجنسية الابتكار.

لا يمكننا الحكم على الأفراد من خلال المظهر أو المخبر بل من خلال القيمة النوعية والإضافة الإيجابية التي قدموها إلينا.. لا يمكننا الحكم عليهم من خلال الثروة والمنصب لأن القيمة الحقيقية للانسان لا يمكن تمييزها قبل أن يخسر (الثروة والمنصب) ويصبح في حكم التاريخ.. لهذا السبب أ حترم علماء ومخترعين وأطباء خدموا الناس وأسعدوا البشرية وأنقذوا حياة الملايين.. ولنفس السبب أكره فاتحين وطغاة من شاكلة نابليون وهولاكو وهتلر والاسكندر الأكبر لأنهم - على العكس تماما - قتلوا الملايين، وشردوا الملايين، وسببوا البؤس للملايين.

سبق أن كتبت مقالا عن هذه المفارقة التاريخية تعجبت فيه من معرفتنا وتبجيلنا للطغاة والفاتحين والجزارين، وتجاهلنا لعباقرة ومبدعين مثل توماس أديسون، وألكسندر فلمنج، وجوزيف ليستر، وفريدرك باتنج، ولويس باستير، وويلسون جريتباش.. تعجبت حتى من مساواتنا بين عظماء أضافوا لرصيد البشرية ومسيرة التقدم، وآخرين اختلسوا التاريخ ورفعوا من نسبة البؤس والتخلف بين البشر.

أحب أديسون لأنه حتى وفاته عام 1930 قدم للبشرية 1039 اختراعا من بينها المصباح الكهربائي والفونوغراف وبطارية السيارة ومنظار الأشعة السينية والتيار المستمر ومد شبكات الكهرباء في المدن من خلال شركته التي نعرفها اليوم باسم "جنرال إلكتريك".. لدرجة سمي معمله في منلوبارك ببيت الساحر بسبب كثرة الأعاجيب التي تخرج منه.. فنعم السحر والساحر.. ولنفس السبب أحب فلمنج لأنه اكتشف مبدأ التلقيح ضد الأمراض، وليستر لإثبات أهمية التعقيم في الطب، وباتنج لأنه قدم الأنسولين لمرضى السكر، وباستير لأنه حارب الجراثيم التي تصيبنا بالأمراض، وجريتباش لأنه اخترع منظم ضربات القلب ومد في حياة الملايين المرضى حول العالم..

لست معزولا عن ثقافتي وبيئتي المحلية وأدرك مسبقا أن هناك من سيتجاهل كل هذا ويحكم على الأسماء السابقة بميزان العصبية والقومية والنظرة الضيقة.. ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء بالذات (حين يحتاجون لدواء جديد أو اختراع مفيد) لن يتوقفوا للسؤال عن أصله وفصله، ولن يرفضوا تناول الأنسولين لأن مبتكره كندي مسيحي، أو تركيب منظم ضربات القلب لأن مخترعه أمريكي يهودي!! من يملك نظرة أكثر اتساعا يدرك أن الإنجازات الرائعة لا تملك جنسية أو وطنا أو هوية.. فحين يبدع البيروني أو يخترع ماركوني أو يكتشف جاليليو يرتقون تلقائيا فوق النعرات القومية والتعصبات المذهبية التي تشغل عامة الناس.. ولأن العباقرة أنفسهم لا يفكرون بهذه الطريقة لم نسمع يوما عن طبيب أو مخترع خصص انجازاته لجنسية أو هوية أو قومية معينة.. فبمجرد خروج إبداعاتهم الى الملأ يصبحون مواطنين عالميين يحق لجميع البشر الإشادة بهم وشكر الله على وجودهم..

أحب القسم الأول من العظماء (الذين قدموا إضافة إيجابية) لأنني أحاول الارتقاء فوق المعايير العاطفية والحكم على الإنسان من خلال انجازاته الواقعية ومساهماته الحقيقية.. لا يملك الصادقون مع أنفسهم غير ذلك (طالما) تمتعوا بمحاسن الكهرباء، واستخدام المضادات، واللجوء للأنسولين، وقدموا لأطفالهم طعاما مبسترا بحسب تعليمات باستير!!

.. وبالطبع ؛ لسنا على خلاف مع أي أسماء أخرى تفكر بإضافتها للقائمة.. ولكن كن صادقا مع نفسك أولا، ثم تأكد ثانيا من تقديمهم إضافة إيجابية، خدمة لمجمل الأسرة البشرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...