الأحد، 27 أكتوبر 2019

الدول الفاشلة


كما توجد شركات ناجحة وشركات فاشلة؛ توجد أيضا دول ناجحة ودول فاشلة.. دول قوية متماسكة تعمل ككتلة واحدة، مقابل دول هشة ضعيفة ذات أوصال مفككة ومتصارعة.

ورغم أن قائمة الدول الهشة تصدر سنويا (منذ عام 2005) إلا أنها المرة الأولى التي أكتب فيها عن هذا الموضوع بعد ثورات الربيع العربي التي أيقظت الطبيعة القبلية والمذهبية للشعوب العربية بمجرد اختفاء سلطة الدولة.

ففي كل عام تنشر مجلة "السياسة الخارجية" الأمريكية بالتعاون مع صندوق السلام العالمي قائمة بالدول الهشة من خلال قياس12 عنصرا مهما في بناء الدول وتماسك المجتمعات.. عناصر مثل غياب السلطة، والتدهور الاقتصادي، والصراعات الداخلية، وهجرة الأدمغة، وتدهور الخدمات، والانتهاك الواسع لحقوق الانسان، وعدم اعتراف الشعب بسلطة الدولة.. وبناء على هذه المعايير أتت قائمة الدول لهذا العام 2014 متضمنة جنوب السودان في أول القائمة كأضعف دولة في العالم، وفنلندا في نهاية القائمة كأفضل دولة من حيث التماسك والاستقرار والازدهار.

ومن الملاحظ أن معظم الدول الاسلامية والعربية أتت إما في مجموعة الدول الهشة أو الدول التي تملك مقومات الانهيار.. الاستثناء الوحيد كان في دول الخليج التي حققت مؤشرات استقرار ممتازة في حين دخلت كثير من الدول العربية دائرة الخطر بعد ما يعرف ب"الربيع العربي" مثل سورية واليمن وليبيا.

وكانت دولة "جنوب السودان" قد دخلت في صراعات قبلية وأهلية فور انفصالها عن السودان - وقبل أن تبدأ أصلا في بناء مؤسساتها الحكومية وسلطتها المحلية وبنيتها التحتية..

أما في المركز الثاني فأتت كل من: الصومال (التي تغيب عنها سلطة الدولة منذ عام 1995) وجمهورية أفريقيا الوسطى (التي حدثت فيها مؤخرا مجازر عرقية ودينية) وجمهورية الكونغو الديمقراطية (التي تعاني من صراعات وحروب أهلية دائمة).. وهذه الدول الأربع مثال واضح لما يمكن تسميته بالدول الفاشلة أو المنهارة تماما.

تأتي بعدها دول تقترب من حافة الانهيار مثل: اليمن وسورية وأفغانستان وتشاد وغينيا وهاييتي وساحل العاج.. ثم تأتي بعدها دول تملك (مقومات الانهيار) مثل: نيجيريا وأرتيريا وميانمار وكوريا الشمالية ومصر وبنجلاديش ورواندا.. ثم تأتي دول تملك مؤشرات عالية للانهيار مثل: ليبيا وايران ومالي وسيراليون ولبنان وتنزانيا.. ثم دول تملك مؤشرات متوسطة أو ضعيفة مثل: اسرائيل والصين وأندونيسيا وتركيا وروسيا والسعودية والهند.

وحين نصل الى آخر القائمة نلاحظ أن المؤشرات السابقة تكاد تختفي (بحيث لا يتبقى سوى بعض المشاكل الاقتصادية) في دول مثل: اليابان وأمريكا وسنغافورة وكوريا الجنوبية ومعظم الدول في أوروبا الغربية... أما أفضل الدول التي تختفي فيها المؤشرات السابقة (وتنعدم فيها حتى المشاكل الاقتصادية) فمن أهمها: النمسا وكندا وسويسرا وأستراليا وجميع الدول الاسكندنافية حتى ننتهي بالسويد وفنلندا.

أيها السادة: بدأت مقالي بتشبيه الدول بالشركات كون الاستقرار والتماسك السياسي يعنيلن النمو والازدهار والرفاه الاجتماعي.. أضف لهذا لا تختلف الشركات الناجحة عن الحكومات الناجحة من حيث امتلاكها إدارة جيد، وسلطة حازمة، وعوائد مرتفعة، ونظاماً محاسبياً ممتازاً، وشبكة تواصل قوية مع فروعها وأطرافها البعيدة.

والحقيقة هي أن دولاً مثل سنغافورة وهونج كونج وبقية النمور الآسيوية ازدهرت بسرعة مذهلة من خلال التصرف كشركات ربحية تحقق عوائد ممتازة لمجتمعها والعاملين فيها..

وفي المقابل هناك مجتمعات (لا تختلف كثيرا عن الشركات الفاشلة) نسيت مهمتها الأساسية (تحقيق نسب نمو مستمرة ومتواصلة) وشغلت نفسها بصراعات داخلية، وإنجازات تنظيرية، ومبالغات إعلامية بل وعاد العاملون فيها لطبيعتهم القبلية والمذهبية بمجرد غياب المدير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...