الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

حسناً.. ماذا عن الاستقالة أو الانتحار


في آخر مقال تحدثت تعقيباً على مقال الأستاذ علي الموسى عن غياب ثقافة الاعتذار لدى مسؤولينا ووزرائنا..

عبرت عن رأيي بأن جذور المشكلة تعود إلى تربيتنا التي تصور الاعتذار كهزيمة، والاعتراف كضعف، وكلمة "آسف" كتقليل من منزلة صاحبها.. ولكن الحقيقة هي أن الاعتذار يُكسب المسؤول ثقة الناس ويمنحه احترام المواطن.. فالمواطنون يدركون حجم الأخطاء والمشاكل ولا يحتاجون لتبريرات تصيبهم باليأس والإحباط.. لا يريدون سماع اسطوانة التبريرات المشروخة بل يريدون "اعترافاً" يضع النقاط على الحروف، واعتذاراً صريحاً يضمن العودة للنهج الصحيح..

... ولاحظ أننا لم نطالب بأكثر من "كلمات" يصبح ما فات قبلها مات..

لم نطالبهم بتقليد الغرب وتقديم استقالاتهم، أو تقليد الشرق والانتحار بعد كل فضيحة.. لا أبداً.. ففي هذه المسألة يختلف العرب عن غيرهم من الأمم ؛ فتاريخنا العربي لا يذكر مسؤولاً أو حاكماً أو خليفة استقال أو انتحر حتى قبل أن يقتله أعداؤه .. ابدأ من تاريخ الدولة الأموية حتى عهد صدام حسين والقذافي اللذين لم يفكرا بالانتحار رغم قتل أبنائهما وعلمهما بمصيرهما بعد القبض عليهما.. الكبرياء منع حسني مبارك، وزين العابدين بين علي من تقديم استقالتهما في الوقت المناسب وتجنيب مصر وتونس ثورات خلفت اضطرابات، وكلفت أرواحاً وممتلكات...

في الشرق والغرب يستقيل المسؤول أو ينتحر عند الفشل، أما في عالمنا العربي فهمه الأول التشبث بالكرسي بيديه ورجليه لآخر لحظة في حياته.. حين تتأمل ثورات الخريف العربي تجدها قامت ضد حكام قضوا في الحكم أرقاماً قياسية (وصلت إلى الأربعين عاماً مع القذافي) فشلوا خلالها في إحداث تطور موازٍ ثم رحلوا دون كلمة اعتذار..

لا أفهم كيف تنحدر كرامة الشخص إلى حد الاستمرار في المنصب بعد الفشل بل والمطالبة بتبجيله بمستوى الفاتحين العظماء.. كيف يقبل مسؤول كلمات الشكر والتمجيد وهو يعرف (قبل غيره) إنه سبب البلوى وتأخر الحال وانحدار المستوى وانتشار المحسوبية والفساد...

وفي المقابل راجع تاريخ أوروبا لترى كثرة حالات الانتحار والاستقالة بعد الهزيمة أو الفشل حتى على مستوى الكرة ومدربي الأشبال.. فقبل ثلاثة آلاف عام هزم القائد الروماني انطونيو أمام اوكتافيان فانتحر خجلاً في حجر كليوبترا.. وفي عصرنا الحديث انتحر هتلر مع عشيقته إيفا براون، في حين انتحر وزير دعايته جوبلز بعد قتل زوجته وأطفاله الستة .. أما في عصرنا الحديث فانتحر رئيس البنك القومي في الاكوادور بعد تراجع عملة بلاده، واستقال يلتسين بعد أن تدهورت روسيا في حقبته، واستقال رئيس الوزراء اليوناني باباندريو بعد فشله في احتواء أزمة الديون وقبل أيام فقط وافق البرلمان الأوكراني على استقالة وزير الدفاع بسبب فشله في مواجهة المتمردين!!

... نفس الثقافة الرفيعة تلاحظها في دول شرق آسيا.. فحين تأكدت هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية انتحر خجلاً 137 مسؤولاً عسكرياً وسبعة آلاف ضابط من الرتب الصغيرة. وفي كل عام هناك "موسم للانتحار" يترافق مع فشل آلاف الطلبة في سنغافورة وتايوان وهونج كونج واليابان في دخول الجامعة..

أعرف مايجول بخاطركم الآن.. ولكن صدقوني لا أدعو للانتحار ولا أحتاج لمن يذكرني بحكمه الشرعي؛ ولكن لا تحاولوا في المقابل إقناعي بأنهم لا يفعلون ذلك لأنه (حرام)!!

مانريده على أي حال مجرد استقالة مشرفة قبل أن تتفاقم الأمور ويستحيل بعدها تدارك ما فات ومات..

فحتى الاعتذار يصبح معيباً ومكشوفاً حين يُكرر أكثر من مرة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...