الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

الدول التي زوّرت الدولار الأمريكي


كلما رأيت براعة "الشرق" في تزوير الماركات والأجهزة المتقدمة، أتساءل؛ وما الذي يمنعهم من تزوير عملات صعبة كالدولار واليورو والين؟.. فهي في النهاية مجرد أوراق مطبوعة!!

في الحقيقة؛ أنشطة عصابات التزوير لم تكن خافية في آسيا منذ عقد الستينات، ولكن الكارثة - التي تأكدت في التسعينات - أن هناك حكومات عالمية زورت الدولارات الأمريكية كطريقة للحصول على العملات الصعبة.. هكذا بكل بساطة.. وكانت واشنطن قد رصدت أوراقا مزيفة (فئة المئة دولار) ظهرت في الصين وكوريا وفيتنام أمكن احتواؤها من خلال اتفاقيات رسمية.. غير أن الدولارات المزيفة لم تقل بل بدأت تكبر بالتدريج - وتصبح أكثر دقة واتقانا - فظهرت فرضية تزويرها من قبل بعض الحكومات نفسها. وكان أبرز المتهمين كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا - في حين يتم تصريفها في الصين والنمور الآسيوية، وعبر سفارة كوريا الشمالية في موسكو.

وحين صعب على واشنطن تقديم أدلة دامغة عمدت إلى تغيير ورقة المئة دولار نفسها (عام 2009) وأضافت عليها تقنيات ثلاثية ومنحتها لونا جديدا وتصميما مختلفا.. ولكن بعد ثلاثة أعوام فقط ظهرت في آسيا أوراق مزيفة من "الطبعة الجديدة" فلم تجد واشنطن سوى إصدار طبعة تالية مختلفة (في أكتوبر 2013 الماضي)!!

غير أن جهود أمريكا في متابعة دولاراتها المزيفة (التي يوجد منها في الخارج ضعف ما يوجد منها في الداخل) لم يمنع بعض السياسيين الأمريكان من اتهام مخابرات بلادهم بطبع هذه "الدولارات الآسيوية".. فبتزوير عملتها الوطنية تضمن المخابرات الأمريكية دخلا ماليا يصعب تتبعه -وفي نفس الوقت- يتيح لها تمويل عملياتها في الخارج دون ارتباط بواشنطن.. وترتيب كهذا يصب في النهاية في المصلحة الوطنية كون الدولارات المزيفة ترفع نسبة التضخم في آسيا، وتخفض قيمة الدولار في العالم، وتمنح الصادرات الأمريكية القدرة على المنافسة (وهي آلية ناقشها الكونجرس صراحة عام2009)!!

وإن صحت الفرضية الأخيرة لن تكون المخابرات الأمريكية السباقة في هذا المجال حيث عمدت المخابرات البريطانية -أثناء الحرب العالمية الثانية- إلى تزوير بلايين الماركات الألمانية لرفع نسبة التضخم في ألمانيا والشراء بها من الأسواق الخارجية.. وحين أدركت ألمانيا أن ماركاتها تزور في انجلترا طبعت بدورها ملايين الجنيهات الإسترلينية وقامت برميها من الطائرات فوق المدن والبلدات البريطانية إدراكا منها أن ما من أحد سيرفض جمع المال وإنفاقه سرا- وأبحث في ويكيبيديا عن عملية Operation Bernhard

.. بقي في النهاية أن أخبركم بقصة لها علاقة بمقدمة المقال.. فقبل ثلاثة أعوام اشتريت خمس شهادات جامعية مزورة من سوق سيام ريب الشعبي في كمبوديا (وذكرت القصة بالتفصيل في مقال تجده على النت بعنوان: كيف تتخرج من خمس جامعات في ساعتين).. وما أدهشني حينها هو براعة التزوير ونوعية الورق وتطابق الأختام ودقة الألوان وشعار الجامعة البارز- ناهيك عن تواقيع مديري الجامعات المعاصرين في كل من كمبريدج وأكسفورد وجرفث وجنوب استراليا وبيركلي كاليفورنيا.. وكنت قبلها قد تجوّلت في شارع كوسانس في بانكوك ففوجئت بجراءة المزورين وقدرتهم على تزوير كافة الوثائق الرسمية.. والأغرب من هذا أن معظمهم فقراء لا يملكون أكثر من كرسي ومنصة يعرضون عليها هوايات خاصة بمنظمات عالمية مثل اليونيسيف والإغاثة الدولية وصحفيين بلا حدود - ناهيك عن بطاقات هوية وجوازات عالمية بحسب جنسية السائح (ووضعت بالفعل صورة لأحد المزورين في حسابي على الانستجرام)!!

.. ما أود قوله:

إن كان بؤساء بهذا المستوى لا يعجزون عن تزوير شهادات أكاديمية معروفة وهويات عالمية مختلفة، فكيف تعجز دول ذات سلطة وسيادة عن تزوير (ورقة ملونة صغيرة) من فئة المئة دولار أو الخمس مئة يورو..!؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...