الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

جدك الأكبر


من المعروف أن البشرية بدأت بذكر وأنثى.. من آدم وحواء.. ومن هذين الاثنين تضاعفنا وانقسمنا وأصبحنا شعوبا وقبائل تقاتل بعضها بعضا.. ولو افترضنا أن جميع الأزواج الذين تلوا آدم تضاعفوا بمتوالية هندسية بسيطة فهذا يعني أن أول زوجين أصبحوا أربعة، والأربعة أصبحوا ثمانية، والثمانية أصبحوا ستة عشر... وهكذا حتى نصل الى أرقام خرافية بحلول الجيل الرابع والستين (تماما مثل حبة الأرز التي تتضاعف على مربعات الشطرنج حتى تصل لأعداد خيالية في آخر مربع).

وهذا يعني في المقابل؛ أنك لو عدت اليوم بطريقة معاكسة عبر الأجيال لاكتشفت أننا جميعنا ينحدر ويشترك مع الناس حولنا في الجد العاشر أو العشرين أو الثلاثين - بحسب البعد الزمني الذي تختاره.. وبحسبة رياضية بسيطة يتضح أنك لو تزوجت امرأة من نفس المدينة (تشترك معك في نفس العرق) سيكون هناك احتمال كبير باشتراككما في الجد الخامس.. وترتفع النسبة في حال كنتما تنتميان لنفس القبيلة أو العائلة كونكما انحدرتما من الأساس من جد أكبر تنتسب إليه هذه القبيلة أو العائلة وتصبح المعادلة أسهل في حال تزوجت ابنة عمك مباشرة. وفي المقابل؛ سيبتعد جدكما المشترك في حال تزوجت امرأة من خارج وطنك (من اليمن مثلا) أو تختلف عنك في العرق والإثنية (من ماليزيا مثلا) ولكنكما في النهاية ستشتركان حتما في "جد" أكثر بعدا!

والحقيقة التي تثبتها الرياضيات أن جميع من يعيشون فوق الأرض هذه الأيام يشتركون مع بعضهم البعض بدءا من "الجد" الثامن والسبعين.. أما المفارقة فهو أن العرب واليهود يعدون فعلا أبناء عمومة كونهما يشتركان في "جد" أكثر قرباً من بقية الأمم.. فاليهود (وأتحدث هنا عن بني إسرائيل وليس من دخل اليهودية من الأعراق الأخرى) يرجع نسبهم إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، في حين يرجع نسب العرب إلى إسماعيل بن إبراهيم (الملقب بأبو العرب) من زوجته هاجر.. أيضا هناك مفارقة أخرى، وهي أن الشيعة العرب في العراق ودول الخليج أقرب إلينا من الشيعة في إيران وأذربيجان.. فالمجموعة الأولى تنحدر من العرب الأقحاح الذين انحازوا الى معسكر علي بن أبي طالب بعد معركتي الجمل وصفين، في حين لم يتبن الفرس المذهب الشيعي إلا في آخر خمس مئة عام فقط حين أجبرتهم الدولة الصفوية على تغيير مذهبهم السني!!

باختصار؛ أي طريق تختاره للعودة للخلف يثبت أنك قريب بعيد، وابن عم محتمل، لأي شخص يعيش اليوم على كوكب الأرض..

ورغم أننا جميعنا يعود في النهاية لآدم، إلا أن آدم نفسه (طُرح فجأة) ولم ينحدر من الأجناس البشرية التي انقرضت قبله..

فالأحافير - والتسلسل المعاكس - يثبت أننا نتوقف في النهاية عند "جد" مشترك واحد.. حتى الملائكة كانت تخشى أن يتسبب خلق "جد" جديد في تكرار المأساة التي تحدث في كل مرة يتكاثر فيها الناس ويصبحون شعوبا وطوائف يقتل بعضهم بعضا ف"قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء".. قال المفسرون: عن سابق خبرة وتجربة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...