الأحد، 27 أكتوبر 2019

سبع فوائد جلية من ملابس الإمبراطور السحرية


كان أحد الأباطرة يهتم بأناقته كثيراً ولا يقبل أن يتفوق عليه أحد في جمال الملبس والمظهر. وبمناسبة اقتراب العيد طلب ثياباً مميزة لم يلبسها أحد من قبله.. تقدم آلاف الخياطين بتصاميم رائعة وجميلة ولكنها لم تنل إعجابه.. كان يريد "شيئاً مختلفاً" الأمر الذي جعله يتوقف طويلاً عند تصميم قدمه خياط مخادع عذب اللسان.. فقد استطاع إقناع الإمبراطور بأنه يملك أقمشة سحرية لا يراها سوى أكثر الناس إخلاصاً وكفاءة في إمبراطوريته.

وكي يزيد الأمر تشويقاً تأخر في إحضارها إليه كي يرفع من سقف شغفه وتوقعاته.. وقبل العيد بيوم واحد فقط دخل القصر مادا يديه (وكأنه يحمل الملابس الخفية) وبدأ باستعراضها أمام الإمبراطور الذي لم ير شيئاً ولكنه خشي أن يُتهم هو نفسه بعدم الكفاءة والأهلية.. احتار في أمره فاستشار رئيس البلاط الذي خشي بدوره أن يُتهم بعدم الإخلاص والكفاءة فتحرك رأسه بإيماءة تدل على استحسانه للملابس الجديدة.. وحين شاهد رجال الحاشية إيماءته العفوية فهموها كمديح فبدأوا بدورهم يمتدحون الملابس الجديدة (فبالإضافة لتهمة عدم الإخلاص أو الكفاءة؛ أصبح من الخطورة الآن قول رأي مغاير).. وحين سمع الإمبراطور هذا المديح شك في نفسه فوافق على لبس الثياب رغم انه لم يرها أصلاً!

وفي يوم الاحتفال.. وقبل خروج الموكب من القصر.. أعلن رئيس البلاط لعموم الجمهور بأن الإمبراطور سيلبس ثياباً سحرية لا يراها غير المخلصين والأوفياء من أبناء الشعب.. وهكذا بمجرد خروجه من القصر تعالت صيحات الإعجاب بالملابس السحرية الجديدة.. فكل شخص بين الحضور كان يخشى اتهامه بعدم الولاء والإخلاص للإمبراطور ناهيك عن الجهل والتخلف فيما يخص أزياء الطبقة الراقية، غير أن طفلاً بريئاً هز يد أمه وقال بصوت مسموع: ولكنّ الإمبراطور عارٍ لا يلبس أي ثياب!! حينها فقط اكتشف الجميع حجم الفضيحة، وخطورة الصمت، ومصيبة التملق.. حينها فقط اكتشف الإمبراطور أن التملق وكتم الحقيقة هي (عدم الكفاءة والإخلاص) فطلب قماشاً يستر جسده وعاد محرجاً إلى قصره.

ورغم أن القصة خيالية أجد فيها معاني سياسية وإدارية يمكن تلخيصها في سبع نقاط مهمة:

أولا: إن بطانة الحاكم أو المسؤول قد تصنع حوله حاجزاً يعميه عن الحقيقة.

ثانيا: إن بطانة الحاكم أو المسؤول تحافظ على مناصبها من خلال الموافقة والتأييد لكل ما يقوله ويعتقده (بل وحتى مايعبر عنه كرأي أو اقتراح).

ثالثا: إن هناك دائما أغلبية صامتة تخشى قول الحقيقة مقابل أقلية (مقربة) تقرر ماهي الحقيقة التي يجب على الناس تصديقها!

رابعاً: إن الأغلبية الصامتة تفكر بعقلية القطيع وبطريقة ولماذا أجلب لنفسي المشاكل (وفي حين تتكتم هي على الحقيقة لأن لا مصلحة لها بقولها، تتكتم الأقلية المقربة على الحقيقة لأن لها مصلحة بإخفائها)!

خامساً: رأي الأغلبية لا يعني دائماً أنه الرأي الصحيح.. فدوامة الصمت، ودائرة التأييد، تكبر بالتدريج حتى تعم جميع الناس فتصدقها مجموعات أكبر من الناس.. (وأبحث في النت عن: دوامة الصمت).

سادساً: لا غنى للحاكم أو المسؤول (حتى لو أحاط نفسه بأفضل المخلصين) من كسر الدائرة المغلقة حوله والنزول إلى الشارع لسماع الحقيقة من الناس مباشرة (دون تقليم أو تجميل يناسب توقعاته).

وأخيراً: الحقيقة أمر يصعب على معظم الناس قوله أو المجاهرة به.. فقولها يتطلب إما طبعاً بريئاً (كما فعل الطفل حين اقترب موكب الإمبراطور) أو عقلاً جريئاً، وإخلاصاً عميقاً، وشجاعة عالية... وهي للأسف مواصفات يندر أن تجتمع في شخص واحد!

بقي أن أشير إلى أن القصة التي بدأنا بها المقال ألفها الدنمركي هانس أندرسون في القرن التاسع عشر لتعليم الأطفال ضرورة التعبير عن الرأي بشجاعة.. فهل نبدأ على الأقل بتعليمهم ذلك اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...