الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

الفوائد الخفية للمدرسة الابتدائية


قرأت قبل فترة أن الطالب يكلف الدولة 20 ألف ريال في العام.. وهذا يعني أن المواطن سيدفع 100 ألف ريال في العام لتسديد أقساط خمسة أبناء فقط، في حال تخلت الدولة عن هذا الواجب..

والحقيقة هي أن هناك 79 دولة في العالم عجزت حتى الآن عن تحقيق حلم النهضة القديم (تقديم تعليم متطور ومجاني لجميع الفئات)..

وفي دول كثيرة رأيت أطفالاً يتسكعون في الشوارع -خلال فترة الدراسة- بسبب فقر آبائهم وعجز عائلاتهم عن دفع أقساط المدارس.. ولك أن تتصور عدد الأطفال الذين سيتسربون من مدارسنا نحن في حال اضطر آباؤهم لدفع أقساط التعليم الأولي، ناهيك عن الثانوي والجامعي..

لهذا السبب من واجبات الدولة المدنية الحديثة تقديم التعليم الأولي بلا مقابل كون "التعليم المدفوع" يعني حرمان معظم الأطفال من فرص التعليم وبالتالي حرمان المجتمع من فوائد خفية وغير مباشرة للعملية التعليمة..

فالتعليم له انعكاسات ايجابية على صحة الأفراد، ورفاهية المجتمع، وازدهار الاقتصاد، ومكافحة الجريمة، والمساواة بين الجنسين، وتظهر بأفضل صورها في الأجيال التالية...

خذ كمثال متوسط العمر الذي اتضح أنه له علاقة مباشرة بمستوى تعليم الأفراد.. فكلما ارتفع مستوى التعليم ارتفع مستوى الوعي والمعرفة وعاش الانسان عمرا أطول بصحة أفضل (وهذا سر تمتع اليابانيين بمتوسط عمر يتجاوز 80 عاماً مقابل 25 عاماً في سيراليون التي تعاني من انتشار الأمية)..

أيضا كلما ارتفع تعليم الفرد كلما ارتفع مستوى دخله وإنتاجيته.. ففي جميع الدول لا يتحدد راتب الإنسان بحسب جهده البدني بل بآخر مستوى تعليمي وصل إليه (ولهذا السبب يستلم الطبيب راتباً يفوق بأضعاف عامل النظافة الذي يبذل جهدا بدنيا خارقا).. وهناك دراسة لمنظمة اليونيسيف أكدت أن كل سنة إضافية يقضيها الطفل في المدرسة يرفع مستوى دخله في المستقبل بنسبة 10%..

أيضا يساهم التعليم في الحد من الجرائم واضطهاد الأطفال والانتماء للعصابات والمنظمات الإرهابية.. فالأطفال الذين يتسربون من المدارس يتعرضون للإساءة الجنسية والاستغلال المنظم والخروج عن القانون.. ولأن الأمية تعني غالباً البطالة وقلة الفرص المتاحة يسهل ضم الجاهل والساذج -وليس المتعلم أو المبتعث- الى العصابات الإجرامية والمنظمات الإرهابية..

والأهم من هذا اتضح أن الوالدين المتعلمين أكثر حرصاً وإدراكاً لأهمية التعليم نفسه، وبالتالي دفع أبنائهم لتجاوز مراحل تعليمية أبعد منهم.. فالأب الذي لم يكمل المرحلة المتوسطة يسعى الى دخول أبنائه كلية الطب أو الحقوق، في حين لا يجد الأب الجاهل بأساً في أن يظل أبناؤه في نفس مستواه التعليمي والاجتماعي!!

... أما فيما يخص الجنسين؛ فاتضح أن نتائج تعليم الفتاة أعظم وأكثر فائدة للمجتمع من تعليم الفتى..

فقد اتضح مثلا أن أطفال المرأة المتعلمة أكثر ذكاء وأقدر على دخول الجامعة. وفي الدول المبتلاة بالأوبئة -مثل الإيدز في تايلاند وأيبولا في غرب أفريقيا- أتضح أن نسبة الإصابة في العائلات التي ترعاها أم متعلمة أقل بكثير من التي ترعاها أم جاهلة.. كما أن الأم المتعلمة أقل إنجاباً (بمعدل 3 أطفال في مالي) مقابل الأم الجاهلة (بمعدل 7 أطفال في نفس البلد) الأمر الذي ينعكس على صحة وذكاء وتعليم الأطفال، أضف لكل هذا أن الأم المتعلمة أكثر دخلا واستقلالية وعدم قبول بالظلم والإساءة...

من أجل هذا كله أدركت الدول الأوربية منذ عصر النهضة أهمية التعليم المجاني -للمراحل الأولية على وجه الخصوص- ووضعته كقانون إجباري في دساتيرها..

ومن أجل هذا كله؛ يجب أن تكون الأولوية لصرف رواتب المعلمين في حال لم يبقَ لدينا ما يكفي سوى قطاع حكومي واحد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...