الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

بيدي قبل يد القاضي


معظمنا يعرف كيف مات المتنبي بسبب بيت شعر حكم فيه على نفسه؛ فأثناء عودته إلى الكوفة ترصد له فاتك الأسدي مع جماعته فتقاتل الفريقان (حيث كان مع المتنبي أيضاً جماعته) فلما رجحت كفه بني أسد هم المتنبي بالفرار ولكن غلامه ناداه:

ألست القائل: الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلم

(وكان بمثابة تعهد مسبق بالثبات حتى الموت) فقال المتنبي: قتلتني والله، فرجع وثبت حتى قتل مع ابنه محسد..

واخترت البدء بالمتنبي كونه أقسى حكم على النفس تكرر في الماضي والحاضر.. فمن قصص الأنبياء المشهورة ماجاء في سورة "ص" بخصوص حكم داود على نفسه في قضية "النعاج" ؛ فقد تقاضى عنده ملكان في صورة أخوين لتذكيره بأن له تسعا وتسعين امرأة - ومع ذلك طلب امرأة رجل ليس له غيرها" هذا أخي له تسع وتسعون نعجةً ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب" فحكم بينهما داود بقوله "لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيراً من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض" فعاد الملكان الى صورتيهما الحقيقية وصعدا إلى السماء وهما يقولان قضى الرجل على نفسه فتنبه داود "فاستغفر ربه وخر راكعاً وأناب"!!

أيضا هناك أيضا قصة عمارة بن حمزة الذي دخل يوماً على المنصور وجلس بقربه فقام رجل وأدعى عليه قائلاً: يا أمير المؤمنين عمارة بن حمزة سرق أرضي وغصبني عليها.. فقال المنصور: ياعمارة قم فأقعد مع خصمك حتى أحكم بينكما.. غير أن عمارة (الذي اشتهر بعزة النفس) فضل الحكم على نفسه قبل أن يستجوبه أو يحكم عليه أحد فقال: ماهو لي بخصم، فإن كانت الأرض له فلست أنازعه فيها، وإن كانت لي فقد وهبتها له ولا أقوم من مقام شرفني به الأمير!

وكنت قبل فترة قد قرأت خبراً عن أحد القضاة من ولاية مليواكي الذي حضر إلى مكتبه صباحاً فرفع على نفسه دعوى، ثم حكم على نفسه بدفع الدية، ثم دفع الدية لحكومة الولاية لعدم وجود ورثة.. ويعود أصل الحكاية الى أن القاضي دهس أثناء حضوره للعمل قطة مع أبنائها الستة أثناء عبورهم للشارع. وبسبب ورعه الكبير رفع على نفسه قضية تلزمه بدفع "دية " توجه لبيت المال أو "عموم الأعمال الخيرية" !!

أيضا أذكر أنني قرأت قصة مشابهة وقعت في ولاية ألباما حيث رفع القس روبرت لي بروك قضية على نفسه بسبب احتسائه قدراً كبيراً من الخمر في ليلة عيد الميلاد. وقال في دعواه إن رجلاً مثله لا ينبغي له الوقوع في خطيئة كهذه ويفترض به أن يكون قدوة لأتباع كنيسته.. ولكن يبدو أن مفعول الخمر عاوده لاحقاً كونه طالب حكومة الولاية (بصفته أحد مواطنيها) بتعويضه عن الأضرار "الأخروية" بمبلغ خمسة ملايين دولار!!

أنا شخصياً مازلت أذكر قصة من أيام الطفولة عن قاض حكم على زملائه بطريقة (لا أعلم كيف أصفها).. ففي أروقة المحكمة كانت امرأة تصيح وتولول "صدق الرسول اللي قال قاض في الجنة وقاضيان في النار" ولم تدرك أن قاضياً كان يسير خلفها خرج للتو من مكتبه فقال وهو يبتسم "كان هذا على زمن الرسول يا أختاه"!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...