الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

لا تدخل السوق ما لم تكن قادراً على انتظار سن التقاعد


قبل انهيار سوق الأسهم عام 2006 سمعت مدير البنك الذي أتعامل معه ينصح أحد المضاربين بقوله: "فكر يابو خالد بالاستثمار على المدى الطويل لأن المضاربة تربحك يوما وتخسرك يومين"!

هز أبو خالد سبحته وقال بثقة الهامور: "كيف يعني على المدى الطويل!؟ قصدك أسبوعين.. ثلاثة؟".

لم أملك نفسي من الضحك وإضحاك مدير البنك معي وتذكرت النصائح التي كنت أسمعها في أمريكا بخصوص الاستثمار لما بعد سن التقاعد..

ففي عام 1987 (وفي زمن لم يكن فيه معظمنا يفرق بين صناديق الاستثمار وصناديق الرطب) كنت أستمع الى الراديو كثيرا بهدف تحسين لغتي.. وكانت هناك محطة مثالية لهذا الغرض كونها خاصة فقط بالنصائح والاستشارات الصحية والأسرية والمالية.. ومن فرط استماعي لها لاحظت أن أكثر ثلاث أسئلة مالية يطرحها الناس هناك هي:

كيف أضمن لنفسي تقاعدا مجزيا؟

وكيف أعيش بنفس المستوى بعد سن الستين؟

وكيف أؤمن مستقبل أبنائي وعائلتي بعد وفاتي؟

وكانت هذه الأسئلة تأتي من مواطنين وموظفين لم يصلوا بعد لسن التقاعد ولكنهم قلقون مما سيحصل لهم بعد عشرين أو ثلاثين عاما من الآن..

وكان الجواب الذي سمعته أيضا يتكرر من الخبراء هو الاستثمار على مدى طويل.. وبالذات في صناديق الأسهم التي تتمتع بمتوسط تاريخي صاعد...

والحقيقة هي أن استماعي لهذه البرامج لم يعلمني العديد من المصطلحات فقط (وأبرزها الصناديق الاستثمارية mutual funds) بل وعلمني أيضا أهمية الاستثمار على المدى الطويل والتفكير لما بعد سن العجز والتقاعد وليس سن الشباب والدخل المنتظم..

وهكذا ؛ فور عودتي للسعودية بادرت بالاشتراك في أفضل ثلاثة صناديق متوفرة وهربت تماما من دخول السوق نفسه إيمانا بالمثل القائل "أعط الخبر خبازه"..

وكانت اشتراكاتي حينها متواضعة جدا (لم تتجاوز الثلاثة عشر ألف ريال لكل صندوق) ولكنها سبقت بسنوات عديدة حمى الأسهم وفورة المضاربات التي انتهت بكارثة عظيمة عام 2006 ..

وبصراحة ؛ لم يكن انهيار السوق كارثة بالنسبة لي..

فحين تبدأ في سن مبكرة.. وحين ينصب تفكيرك على مدى عشرين وثلاثين عاما.. وحين تتذكر أنك دخلت أصلا بمبالغ صغيرة جدا.. لن تغضب كثيرا حين تنخفض استثماراتك من "مليون" الى "نصف مليون" كونك دخلت أصلا بأربعين ألف ريال فقط بل وتحمد ربك أنك مازالت محتفظا بالقيمة الدفترية ولم تضطر لبيع شيء منها لتسديد قروض انتهت بالديون (وابحث في النت عن مقال: كيف أصبحت مليونيرا ثلاث مرات)!!

... وبالطبع ؛ لا أحد ينكر خطورة الاستثمار في الأسهم (على المدى القصير) ولكن لا أحد أيضا ينكر أنها مجزية وأكثر استقرارا (على المدى الطويل)..

وبناء عليه .. وبمناسبة الطفرة الحالية.. أنصحك بالتفكير على مدى لا يقل عن سبع سنوات، أو الابتعاد عن السوق تماما إن كنت عاجزا عن الانتظار.. أنصحك بالتفكير على مدى أبعد من ذلك بكثير إن كنت في سن العشرينيات أو الثلاثينيات وتملك دخلا شهريا منتظما وانظر إليها كتأمين لمستقبلك ومستقبل أبنائك..

لا يجب أن تكرر أخطاء الماضي، وانتقل بتفكيرك من حلم الثراء السريع، الى النمو المعقول والتقاعد المريح .. لا تشغل بالك أصلا بالتذبذبات الحادة والانهيارات المستمرة طالما استثمرت في صناديق أو أسهم ذات متوسط تاريخي صاعد!!

... أنا شخصيا لا أنصح أحدا بدخول سوق الأسهم ما لم يكن قادرا على الارتفاع فوق كافة الاحتمالات وعدم حاجته لأي استثمارات قبل سن التقاعد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...