الثلاثاء، 8 أكتوبر 2019

بالإضافة إلى رؤية وجهك!


لو سألت أحدهم عن الاستعمال الرئيسي للمرآة لقال شيئا من قبيل: نرى فيها أنفسنا.. أو نتأكد بفضلها من وسامتنا.. أو نُصلح من خلالها هندامنا... الخ

ولكن الحقيقة هي أن للمرآة استعمالات طبية وعلمية وتقنية لا نفكر فيها غالبا.. فهذه الأداة التي يقف خلفها تاريخ طويل من الخرافات المضحكة تملك أيضا تاريخا جميلا فيما يخص الاختراعات والاكتشافات العلمية المدهشة.

فالمرآة مثلا قادرة على تشخيص بعض الأمراض والاضطرابات النفسية (كون بعض المرضى مثلا يعجزون عن تمييز أنفسهم أو يرونها بطريقة مشوهة)

كما يمكنها كشف بعض الأضرار في الدماغ (كون بعض الانعكاسات والأشكال المتناظرة تسبب تحريضا حركيا لبعض الحالات) كما تستعمل لأغراض التنويم المغناطيسي أو الانفصال عن الواقع أو إحداث هلوسة مؤقتة (ولفهم قصدي جرب الحديث أو النظر إليها لفترة طويلة)!!

أيضا اتضح أن تمييزنا لأنفسنا في المرآة سلوك متعلم وفارق حقيقي بين الانسان والحيوان.. فالطفل في المجتمعات المتقدمة لا يميز وجهه في المرآة حتى سن الثانية، في حين يعجز الطفل في المجتمعات المتخلفة عن تمييز نفسه حتى سن السادسة (وهذا ليس له دخل بالذكاء بل بسرعة تمييز الذات) كما أوضحت التجارب أن الحيوانات لا تميز نفسها في المرآة في حين يمكن للدولفين والفيل والشمبانزي (الذين يحتلون قمة الذكاء الحيواني) تمييز أنفسها بعد سنوات طويلة من التعود وإطالة النظر في المرآة.

أما في عالم التقنية فيمكن للمرآة أن تستخدم كمكبر أو مركز أو مكثف للضوء. فهي تستعمل مثلا لرصد الأجرام البعيدة (كما في التلسكوبات الفضائية) أو كشف الأجسام الدقيقة (كما في الميكروسكوبات) أو تركيز الطاقة الشمسية (كما في المرايا المقعرة) أو عكس المشاهد على الأسطح اللاقطة (كما في الكاميرات) أو حتى إعادة خلقها مجددا (كما تفعل المرايا الميكروسكوبية في التلفزيونات وأجهزة البروجيكتور).

وكان رواد المركبة أبوللو قد وضعوا فوق سطح القمر مرايا خاصة يمكنها عكس أي إشعاع ليزري يرسل لها من كوكب الأرض.. وبهذه الطريقة أمكن قياس - ليس فقط المسافة بين القمر والأرض - بل وسرعة دورانها ومقدار التغير في مدارها الإهليجي. وفي الحقيقة المرايا لا تعكس فقط الليزر والضوء، بل ويمكنها عكس الأصوات وبعض الجزيئات الذرية (الأمر الذي يتيح للعلماء كشف طبيعة المواد) كما يمكنها فصل مكونات الطيف الضوئي أو الكشف عن مكونات المادة العاكسة (بطريقة تشبه تجربة المنشور الضوئي) ناهيك عن لعبها دورا أساسيا في توليد وعكس أشعة الليزر (التي تعد اليوم عماد تقنيات كثيرة).

أما أغرب استعمالات المرآة فهي حسب رأيي قياس سرعة الضوء وجعله يسافر عبر الزمن. فحين تضع مرآتين متقابلتين أمام بعضهما البعض (كما نشاهد في بعض المصاعد) ينعكس الضوء بينهما (ذهابا وإيابا) إلى مالا نهاية.. وبهذه الطريقة تمكن العلماء ليس فقط من قياس سرعة الضوء بل وحساب نسبة سفره وتراجعه عبر الزمن!!

المهم .. لا تنظر لوجهك لوقت طويل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...