الاثنين، 7 أكتوبر 2019

يا بخت مين وفق 393 رأساً بالحلال


أولاً دعوني أهنئكم بعيد الفطر السعيد أعاده الله عليكم وعلى من تحبون بالخير والصحة والسعادة..

وفي الحقيقة يتساءل المرء إن كان أحد يهتم بقراءة الصحف في أيام سعيدة وحافلة كهذه الأيام..

وإن كان هناك من يهتم، فما هي طبيعة الموضوع المناسب لهذا اليوم..

أنا شخصياً لست متأكداً، ولكن أعتقد أن (قصة تتضمن نهاية سعيدة) ستكون أقرب لمناسبة سعيدة كعيد الفطر.. وقصتي اليوم حدثت في مدينة سياتل على الشاطئ الغربي في أمريكا - التي تضم اليوم ثلاث شركات لا يكاد يجهلها أحد.. بوينج.. وستار بوكس.. وميكروسوفت..

وبالطبع لم تكن كذلك في مطلع القرن التاسع عشر حيث لا قانون ولا نظام ولا مدارس - ولا حتى زوجات وأطفال وعائلات مستقرة؛ ففي ذلك الوقت توافد إليها رعاة البقر والباحثون عن الذهب واكتسبت سمعتها كبلدة متوحشة وموطن للرجال القساة. وحينها كان معظم سكان المدينة من الرجال العزاب مما سبب مشاكل قانونية واجتماعية خطيرة (وتعرفون كيف يتصرف الرجال حين يغيبون عن أعين النساء)..

وفي عام 1865 دعا أحد القساوسة إلى اجتماع عام لحل مشكلة نقص النساء في المدينة والتفكير جدياً بتأسيس العائلات وإنجاب الأطفال. وبطبيعة الحال لاقت دعوته صدى واسعاً فتوافد الرجال العزاب من كل مكان لحضور الاجتماع واقتراح الحلول المناسبة. ولكن - كما يحدث دائماً في اجتماعات الرعاع - عقدت خمسة اجتماعات بدون الاتفاق على حل مناسب لتوفير العرائس للمدينة الخالية من الأطفال..

وحين بدأ الطريق مسدوداً ظهر إعلان صغير في صحيفة سياتل هيرالد يقول نصه:

" أنا امرأة ادعى آزا ميرسر وقد تأثرت حقاً بفشل الرجال في العثور على زوجات صالحات.

وبما انني امرأة متزوجة وكبيرة في السن فقد قررت المساعدة بطريقة مختلفة.

فقد قررت تولي مهمة جلب الفتيات من نيوانجلند مقابل 300 دولار لكل فتاة.

وعلى من يرغب، إرسال المبلغ إلى حانة جاك ميرسر وتسجيل اسمه في قائمة الطلبيات"!!

وعلى الفور توافد 400 رجل إلى الحانة المذكورة ودفعوا المبلغ المطلوب.. وبسرعة تجمع لديها مبلغ كبير بمقاييس تلك الأيام فسافرت إلى الولايات الشرقية (الأكثر تمدناً واستقراراً) لإقناع الفتيات بالسفر إلى سياتل والزواج من بعض الرجال الأشداء.. ولكن يبدو أن المهمة كانت أصعب مما توقعت السيدة ميرسر؛ فبرغم شخصيتها الجذابة ولسانها العذب استغرق منها الأمر عامين كاملين لإقناع مايكفي من الفتيات للسفر إلى الغرب المتوحش (ومجاناً، بحجة السياحة والاطلاع)!

وفي هذه الأثناء سرت في سياتل شائعة تقول بأنها هربت بالأموال فأحرق المتظاهرون بيتها وضربوا ولديها وسجنوا زوجها (وكانت قد وافقت على تركهم رهنا للأموال التي جمعتها)!!

أما من جهتها فقد خافت السيدة ميرسر على فتياتها من قطاع الطرق فقررت السفر بحراً والدوران حول القارة الأمريكية باتجاه الغرب. وحين توقفت في سان فرانسيسكو كان عليها أن تقاتل لمنع الشبان من معاكسة الفتيات أو إغرائهن بالزواج. وقبل إبحارها إلى سياتل - في الشمال - أرسلت سراً تلغرافاً إلى عمدة المدينة تخبره بقدومها وطلبت منه أمر الرجال بالاغتسال والتطيب وحلق ذقونهم ولبس أجمل ثيابهم.. وحين شاع الخبر أقام العزاب احتفالات صاخبة وكرموا زوجها وابنيها. ولم يكتفوا بالاغتسال فقط بل وغسلوا شوارع البلدة ورشوا الورود على طول الطريق المؤدية للميناء (ومازال الناس يتحدثون عن هذا اليوم كأنظف يوم في تاريخ المدينة).. وحين وصلت السفينة تفاجأت الفتيات برؤية سياتل مدينة نظيفة تكتظ بشباب لا تنقصهم الوسامة والجمال وأناقة الهندام - لدرجة يتوارى أمامهم ذكور برشلونة وميلان.. أكثر الرجال أناقة هذه الأيام..

ورغم أن السيدة ميرسر أقنعت الفتيات بأن الرحلة ستكون لمجرد السياحة والاطلاع إلا انه لم يمر أول أسبوع إلا وتزوجت إحدى الفتيات ثم الثانية والثالثة والرابعة ووو.. حتى لم يبق من قافلة الحسان غير سبع فتيات فضلن العودة لديارهن!!

ومن يومها تغير حال سياتل وانتشر الأطفال في الأحياء والطرقات وأقيم تمثال كبير للسيدة ميرسر مايزال شامخاً حتى اليوم في شارع يحمل اسمها!!

.. وعلى قول المثل: "يابخت مين وفق 393 رأساً بالحلال"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...