بعد تحرير الكويت من القوات العراقية في مطلع التسعينيات زرت ميونخ وسكنت في فندق فخم في وسط المدينة.. وكنت قد تعرفت في القطار على ثلاثة مراهقين أمريكان (لا تزيد أعمارهم على السابعة عشرة) أخبروني أنهم يزورون أوروبا بمصروف ضئيل جمعوه خلال دراستهم الثانوية.. ولهذا السبب لا يسكنون في الفنادق ولا يستعملون التكاسي ولا يتناولون أكلهم في المطاعم ويعيشون حياتهم كسياح مستقلين أو متجولين backpackers. وما وثق علاقتي بهم أنني كنت أراهم بشكل يومي يعيشون في حديقة صغيرة قريبة من الفندق وكنت أسلم عليهم في الرايح والجاي.. وذات يوم فوجئت برؤيتهم في صالة فندقي وقد بدت عليهم علامات النظافة والنعمة فسألتهم ما الذي أتى بكم الى هنا؟ فتحدثوا بلسان واحد تقريبا "رجل كويتي" كان يرانا دائما في الحديقة فسألنا عن جنسياتنا فأخبرناه أننا طلاب من أمريكا.. وحين علم أننا لا نملك قيمة الفندق أخذنا معه وسكننا هنا على حسابه لأن الأمريكان حسب قوله حرروا بلده ومن باب رد الجميل أصر على تسكينهم هنا مجانا !!
وهناك قصة استعرضتها في مقال "الصورة في عين المؤمن" حدثت لي أثناء أول زيارة لي لقرية انترلاخن السويسرية قبل 15 عاما .. فقد اشتركت أنا وزوجتي في جولة سياحية على الأقدام للتعرف على القرية.. وأثناء مرورنا بالشارع الرئيس توقفت المرشدة العجوز وأشارت بيدها الى أعلى قمة جبلية وقالت: أتدرون لماذا سميت ب"قمة المرأة الشابة" (أو يونج فراو يوخ بالألماني).. وحين لم يجبها أحد قالت: أريدكم أن تنظروا بتمعن الى القمة لدقيقة واحدة فقط.. وبعد دقيقة واحدة فقط صرخ سائح انجليزي: أوووه لأن شكلها يشبه وجه امرأة شابة. وبعد لحظة قالت زوجته: نعم نعم لقد رأيتها الآن، ثم قال نفس الشيء سائح ثالث ورابع وخامس حتى رأت المجموعة كلها شكل الوجه على الجبل (إلا ؛ أخوكم في الله).. حينها شعرت بالإحراج فقلت بدوري: أووووه لقد رأيتها الآن ولكن الحقيقة أنني لم أر شيئا رغم محاولات أم حسام إقناعي بوجود الوجه.. وفي اليوم التالي كنت أسير وحدي نحو محطة القطار حين التفت الى قمة الجبل ورأيت فجأة وبدون عناء ملامح وجه جميل لفتاة شابة (رغم بياض شعرها الذي شكلته القمة الجليدية).. فكتبت مقالا عن قدرة أفكارنا واعتقاداتنا المسبقة على تشكيل صور ذات معنى على الخلفيات الضبابية والمبهمة!
ومن القصص الطريفة أن دبلوماسيا أمريكيا تلقى دعوة لحضور مؤتمر دولي في موسكو.. وقبل مغادرته مطار نيويورك حذرته وزارة الخارجية بأن الروس سيتجسسون عليه وسيضعونه في فندق خاص بالأجانب يمتلئ بأجهزة التنصت.. وهكذا ما أن دخل غرفته حتى بدأ يبحث عن أجهزة التنصت المزعومة والميكروفونات المدسوسة خلف اللوحات وفوق اللمبات وداخل الكراسي بل وحتى داخل التلفون نفسه .. وحين كاد ييأس نظر تحت السرير فلاحظ وجود سلكين معدنيين (مجدولين حول بعضهما البعض) يبرزان من أرضية الغرفة الخشبية فأيقن أنه عثر على ضالته . فما كان منه ألا أن أحضر كماشة قوية وبدأ بفك الأسلاك عن بعضها البعض حتى فصلهما نهائيا.. وقبل أن يصعد على سريره لينام سمع صفارة الاسعاف وأصوات استنجاد وصراخاً من الطابق السفلي فرفع السماعة ليسأل عما حدث فأجابه الموظف في مكتب الاستقبال: " لا تقلق يا سيدي ؛ سقطت النجفة المعلقة أسفل غرفتك على رأس المندوب البلجيكي" !!
ولقصص السفر بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق