السبت، 31 أغسطس 2019

سبعون عيناً


استعملت العرب كلمة "عين" لوصف أشياء كثيرة غير تلك "التي في طرفها حَور"..

فهناك أكثر من 70 وصفاً واستعارة مثل عين الماء، وعين الحقيقة، وعين الصواب، وفرض عين، ورجل عائن، وأصابته العين (وياعيني عليه).. كما تأتي العين بمعنى جاسوس، وعين بمعنى مهم (وجمعها أعيان) ناهيك عن حرف "العين" في الأبجدية، وعضو الإبصار المعروف في مقدمة الوجة.

ولكن ؛ رغم تعدد معاني العين سأعود الى المعنى الأصيل الذي نتوقعه حين ننطق بهذه الكلمة.. فقد اشتريت مؤخرا كتاباً مصوراً عن الحيوانات ودهشت فعلاً من تعدد أنواع المخالب والأنياب والمناقير والأقدام - ولكن لم يثر دهشتي مثل التنوع الهائل في أعين المخلوقات!!

.. ودعونا نتحدث أولا عن أعين البشر ونعرف الفرق بين "النظر" و"الإبصار"..

فالنظر هو دخول المنظر إلى العين ولكن دون اهتمام أو رصد من العقل - كما يحدث حين يسرح أحدهم بخياله فتمر أمامه الأشياء وهو غافل عنها.. أما الإبصار فعملية تجري في مؤخرة الدماغ حيث يتم هناك تفسير وتحليل المشهد الذي تلتقطه العين - والفرق بين الاثنين يتضح من خلال قوله تعالى {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون.. لهذا السبب قد ينظر إليك أحدهم دون أن يبصرك فعلاً، وقد يصبح أعمى (رغم سلامة عينه وقدرتها على النظر) بسبب وجود عطب في مركز الإبصار

بدماغه!!

أيضا هناك ظاهرة تلون العينين بلونين مختلفين.. فمن المعروف أن لون العين تحدده كثافة مادة الميلانين في القزحية (وهي المادة المسؤولة أيضاً عن اختلاف ألوان البشر). فالعيون السوداء تملك تركيزاً أكبر من صبغة الميلانين في حين تملك العيون الخضراء والزرقاء نسبة أقل من هذه المادة.. غير أن هناك حالات وراثية نادرة تظهر فيها كل عين بلون مختلف (أسود مع أخضر، أو بني مع أزرق، أو عسلي مع رمادي) وأكثر ندرة تظهر فيها عدة ألوان في القزحية الواحدة!

.. على أي حال؛ ماتزال أعين البشر أكثر بساطة وأقل تعقيداً من أعين معظم المخلوقات.. فمعظم الطيور مثلاً يمكنها الرؤيا في اتجاهين مختلفين وإدراك كل منظر على حده. بل إن كثيراً من الديدان والحشرات تملك محجراً ضخماً يضم بداخله مئات العيون التي ترى كل منها بزاوية مختلفة!!

أما الطيور الجارحة فيمكنها الرؤية من مسافات هائلة بفضل ضخامة مقلتيها وسعة الشبكية لديها ؛ فالصقر يمكنه وهو في الجو رؤية أرنب صغيرعلى بعد ثلاثة كيلومترات. أما النسر فيفضل الوقوف على صخرة مرتفعة ورصد أي مخلوق يتسكع في دائرة يبلغ قطرها 2500 متر!!

.. أيضا هناك طيور وأسماك وحشرات يمكنها الرؤية في الظلام بفضل حساسيتها المرهفة للضوء.. فالبومة مثلاً ترى خلال الليل أفضل بمئة مرة وأبعد بخمسين مرة من البشر.. أما النحلة فترى من خلال الأشعة فوق البنفسجية وبالتالي (ما يفرق معها) وجود الشمس من عدمه!

أما الضفادع فمثال لمخلوقات لا ترى شيئاً أمامها (وتبدو الدنيا لها سوداء حالكة) حتى يتحرك أحد أمامها فتشاهده وتبدأ بمتابعته!!

.. هذه العيون الخارقة تجعل من عيني الإنسان أداة بدائية وسريعة العطب - بل وأكثر تخلفاً من حاسة الشم لديه.

وحسب علمي؛ فإن معظم الحواس البشرية تقل عن حواس المخلوقات الأخرى باستثناء قدرتنا على التفكير والابتكار.. فبفضل هذه الميزة وحدها عوضنا نقصنا واستطعنا اختراع أعين ترصد المجرات وترى الميكروبات، وسماع دبيب النملة وما تحت الموجات الصوتية، والطيران أعلى من النسور ورؤية ما تحت الأرض وخلف الصخور!!

.. (مع ملاحظة أنني استعملت صيغة الجمع هنا من باب المجاملة فقط).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...