الجمعة، 30 أغسطس 2019

المؤمن القوي.. والمؤمن الضعيف


لا يمكن لأي كاتب إقناع جميع القرّاء برأيه، ويكفيه فخراً إن حصل على تأييد الأغلبية فقط.

وحتى حين يحظى بتأييد الأغلبية لا يضمن قناعتهم بنسبة 100% وعدم اعتراضهم على مسائل جانبية أو فرعية وردت في المقال..

ولهذا السبب لا أستبعد دائما ظهور نسبة معارضة (أحترم رأيها) أو تملك رأياً مختلفاً (أتعلم منها) أو مجموعة تسيء الظن (أتعامل معها بروح رياضية)..

وحين نشرت قبل أيام مقالاً بعنوان "لنتوقف عن التناسل قليلا" توقعت مسبقاً وجود من سيعترض عليه عطفا على حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم {تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة وهذا ما حدث فعلا.. ولكن الفهم الصحيح لهذا الحديث يتطلب إدراك أهمية التفوق النوعي للفرد قبل الانطلاق في مسيرة التكاثر والمباهاه..

فتكاثر السكان بلا تفوق نوعي يجعلنا مجرد غثاء كغثاء السيل كما جاء في الحديث الصحيح ولا يتفق مع الحديث الشريف «المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف»..

وهذا المفهوم تسانده أحاديث وأقوال كثيرة تؤكد خطورة ابتلاء الأسرة والمجتمع بكثرة الأطفال وانفجار السكان مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:

"تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء".. وجهد البلاء هنا (وهو كثرة الأولاد مع قلة الحيلة) كما قال عبدالله بن عمر..

كما استعاذ في حديث رواه أنس رضي الله عنه من (من الفقر والعيلة) أي كثرة العيال المرتبطة بفقر الحال...

وإن كان الرسول الكريم وضع للعزاب شرط الباءة للزواج «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» فكيف بكهل فقير أو شيخ معدم يتزوج أربع نساء ثم يترك للمجتمع رعاية جيش من القصر أو الأيتام!!

وكان عبدالله بن عباس (وتعيده بعض المصادر إلى علي رضي الله عنه) قد قال: "كثرة العيال أحد الفقرين، وقلة العيال أحد اليسارين".. والفقران هنا هما قلة المال مع كثرة العيال، واليساران هما عكس ذلك: كثرة المال مع قلة الأولاد..

وحين سمع الإمام أبو حنيفة بعزم تلميذه أبي يوسف على الزواج بعث له وصية قال فيها: "لا تتزوج إلا بعد أن تقدر على القيام بحوائجه، وأطلب العلم أولا ثم أجمع المال فإنك إن طلبت المال وقت التعلم عجزت عن طلب العلم. وإن اجتمع عليك الولد وكثر عليك العيال قبل جمع المال تترك طلب العلم وتعجز عن طلب المال"..

أضف لكل هذا هناك أحاديث كثيرة وصحيحة تجيز العزل عن الزوجة أو الجارية بنية عدم الإنجاب (من غير المناسب ذكرها هنا، ولكن يمكنك العثور عليها في النت) وتعد بحد ذاتها دليلا على جواز فعل ذلك بنية التخفيف من الذرية!!

وكل هذا أيها السادة يثبت أن إنجاب الأطفال وكثرة العيال يتطلب أولا القدرة على الإنفاق والتربية وضمان عدم تحولنا إلى "غثاء سيل".. يتطلب تأهيل الوالدين وضمان دخل مالي مستقر (كما نصح أبو حنيفة تلميذه) بدل توريط الشباب تحت مسمى الزواج الخيري أو الجماعي!!

لا داع لتكرار الأرقام والإحصائيات التي قدمتها في مقالاتي السابقة وتثبت أن قوة الأمة لا تكمن في كثرة سكانها (بدليل بنجلاديش ونيجيريا) بل في نوعية شعبها وتفوق أفرادها (بدليل سويسرا وتايوان وإسرائيل التي عجز 340 مليون عربي عن زحزحتها من مكانها)!!

أرجو أن أكون قد كسبت تأييد الأغلبية.. ومازلت عند رأيي "لنتوقف عن التناسل قليلا"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...