الجمعة، 30 أغسطس 2019

الموقع الذي زاحم أقدم قانونين في التاريخ


منذ بدء الخليقة وهناك قانونان أساسيان يتحكمان بأسعار السلع.. العرض، والطلب..

فحين يكثر الطلب ويشح المعروض ترتفع قيمة السلعة (وهذا سر الأثمان المرتفعة لأي سلعة شحيحة يرغب الجميع في شرائها)..

وفي المقابل، حين يقل الطلب ويكثر العرض تنخفض قيمة السلعة وتصبح برخص التراب (كون الناس أصبحوا فيها من الزاهدين)..

ولكنني شخصيا أستشف إرهاصات قانون ثالث بدأ يزاحم أقدم قانونين في التاريخ..

فظهور مواقع البيع والمزادات الإلكترونية وسعت دائرة السوق، ورفعت حجم المعروضات، ووفرت طفرة في حجم السلع النادرة حتى كادت تلغي ميزة الندرة، وشح المعروضات، وقلة المشترين (كون لا نادر، ولا شحيح، ولا قليل؛ مقارنة بحجم المتسوقين على الانترنت)..

ورغم كثرة مواقع المزادات على الانترنت، إلا أن موقع ebay يعد أقدمها وأكثرها شهرة.. فقد تأسس عام 1995 على يد شاب أمريكي يدعى بيري أوميداير بهدف البيع مباشرة (من الزبون للزبون). ويحصل الموقع على أرباحه من خلال استقطاع نسبة بسيطة من كل سلعة مباعة دون التدخل في سعرها الأعلى أو طبيعتها الغريبة..

وأول مزاد أقيم على الموقع كان بعد افتتاحه بنصف ساعة فقط حين عرض أحد الأشخاص قلم ليزر مكسورا (لايساوي دولارين) فاشتراه زبون ب 15 دولارا.. هذا التصرف الغريب دعا بيري للاتصال شخصيا بالمشتري ليخبره بأن القلم مكسور وأن سعره الجديد أقل من ذلك بكثير.. ولكن المشتري رد بهدوء: ولكنني أهوى جمع أقلام الليزر المكسورة من هذا الموديل بالذات!!

حينها أدرك أوميدار أن رضا الناس غاية لا تدرك، وأن موقعه يتيح له الوصول الى نوعيات غريبة وغير متوقعة من البائعين والمشترين (وإلا؛ من يبيع أو يشتري قلما مكسور!؟).

واليوم لم يعد أحد يستغرب بيع أو شراء أي سلعة على موقع ebay. ورغم عمره القصير إلا أن قائمة السلع والمعروضات فيه لم يتخيل أحد وجودها حتى ثماني سنوات مضت:

فهناك مثلا السلع الدينية حيث عرضت قطعة توست محروقة تبدو عليها صورة مريم العذراء، ومسمار قيل إنه استخرج من صليب المسيح، وزجاجة محكمة تتضمن "هواء" من كنيسة المهد، وجرة حُبس بداخلها ملاك (كما ادعى صاحبها)!!

أيضا هناك بقايا لمشاهير وفنانين يشتريها المعجبون مثل قطعة لبان بصقتها ويتني سبير، وبقايا كولا شرب منها ألفس بروسلي، وملابس داخلية نسيتها مادونا في أحد الفنادق، وفردة شراب لمايكل جاكسون، وفرشة أسنان للرئيس جون كيندي!!

وهناك بالطبع أفكار لم تخطر على بال أحد.. فأندرو فيشر مثلا أعلن عن استعداده لتأجير جبهته العريضة لأي شركة ترغب في الترويج لاسمها وأصبح اليوم مشغولا بتنفيذ طلبات الشركات منذ تسع سنوات (ولك أن تتخيل رجلا يمشي في الشارع وقد كتب على جبهته كلمة تويوتا أو سامسونج)!!

وفي عام 2010 عرضت طفلة بريطانية جدتها المزعجة للبيع. وفي عام 2006 عرض رجل استرالي مُطلق نفسه للبيع. وفي2011 عرض رجل زوجته للبيع برفقة الكلب وخزانة الملابس.. وحين عرضت فتاة عذريتها للبيع (لإكمال دراستها) رسا المزاد على رجل ثري منحها أقساط الجامعة متنازلا عن الخدمة..

وأخيرا، كثيرا ما يعرض الناس أعضاءهم للبيع كالكلية والقرنية والنخاع وجزء من الكبد.. وفي عام 2000 عرض رجل من فلوريدا كبده للبيع فتهافت عليه مدمنو الكحول ووصل العرض الى 5,6 ملايين دولار قبل أن توقف ebay المزاد وتتبنى مبدأ "منع بيع الأعضاء البشرية"!!

.. هذه المعروضات الغريبة تثبت كيف أثرت الانترنت حتى على طريقتنا في البيع والشراء وزاحمت قانونيْ العرض والطلب (لأول مرة في التاريخ)!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...