الخميس، 29 أغسطس 2019

من لحن طلع البدر علينا؟


طلع البدر علينا أشهر أنشودة في تراثنا الإسلامي.. فقد استقبل بها الأنصار الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم حين هاجر إليها عام 622م. فبعد انتظاره لأيام أطل عليهم أخيراً من ثنية الوداع فانطلق نحوه النساء والصبيان وهم يرددونها بشكل جماعي.. ورغم تضعيف الألباني لهذه القصة إلا أنها مشهورة في كتب السير وموجودة في مخطوطاتها القديمة..

السؤال هو: من لحنها بهذا الشكل الجميل؟

فكلمات الانشودة (المجهول قائلها) انتقلت إلينا بفضل وجودها في كتب السير، ولكن اللحن كيف ينتقل إلينا في ظل عدم وجود أجهزة تسجيل صوتي قبل 14 قرنا!؟

حين نفكر ملياً في الموضوع لا نجد غير احتمالين:

الأول أنها لحنت في وقت متأخر وحديث نسبيا..

والثاني أنها لحنت عفوياً من قبل الأنصار ثم تناقلتها الألسن عنهم عبر القرون!!

.. أنا شخصياً أرجح الاحتمال الأول، كون الاحتمال الثاني يظل ضعيفاً بسبب الفارق الزمني الكبير..

ولكن هذا لا يعني أننا نعرف تاريخ ظهورها باللحن المعروف لدينا اليوم.. فالأنشودة كانت متداولة بهذا الترنيم منذ عصر الفونوغراف أو أجهزة التسجيل القديمة.. كما ظهرت ضمن مقاطع سينمائية وفنية تعود الى أيام (الأبيض والأسود).. وبالإضافة الى الأفلام العربية والكرتونية التاريخية وردت الانشودة في فيلم الرسالة، ومسلسل عمر الفاروق، وغنتها أم كلثوم، وشدا بها دعاة كثيرون، كما جذبت بلحنها الجميل فنانين غربيين مثل سامي يوسف البريطاني، وفرقة نيتفدين الأمريكية، والمسلسل الكندي بيت فوق المروج، والمغنية الاسترالية أوليفيا نيوتن (Tala al badru- Olivia Newton)

هذا أيها السادة عن أشهر لحن في تراثنا العربي والإسلامي..

أما في التراث الغربي فلن تجد أكثر شهرة وشعبية من أغنية عيد الميلاد المعروفة "سنة ميلاد سعيدة" أو Happy birthday to you

فبعد انتشارها في أمريكا وصلت الى كندا ثم أوربا قبل أن تعم العالم وتترجم إلى معظم لغاته الحية (بل وتعد أول أغنية بالتاريخ تبث من الفضاء للأرض حيث غناها أحد رواد تشالنجر لزوجته بعيد ميلادها).. وهي ترنيمة ليست فقط معروفة النسب بل ويتمتع مُلاكها بفضلها بثروة كبيرة حتى يومنا هذا!

.. وتعود الحكاية إلى مدينة لويسفيلد بولاية كنتاكي حيث قامت عازفة بيانو تدعى ميلدريد هيل بوضع اللحن المعروف حالياً عام 1893. والمفارقة هنا أنها وضعت اللحن لقصيدة أطفال مختلفة تدعى "صباح الخير للجميع" ألفتها أختها باتي هيل التي كانت تعمل في إحدى رياض الأطفال.. غير أن أحد الناشرين أعاد نشر القصيدة في كتاب خاص بالأغاني عام 1924 مستبدلاً أول سطر فيها ب"عيد ميلاد سعيد".. ورغم هذا التغيير ورغم أن الكلمات الأصلية تغيرت بمرور الزمن إلا أن اللحن ظل ملكاً مسجلاً باسم ميلدر هيل..

وفي مطلع القرن العشرين لم يكن أحد في أمريكا يحمل هماً كبيراً لما يسمى بحقوق التأليف أو الملكية الفكرية. غير أن عائلة هيل ربحت سلسة دعاوى قضائية (كسبت من ورائها مبالغ طائلة) جعلت معظم الجهات الفنية تمتنع عن بث أو أداء الأغنية بدون "دفع" وتصريح مسبق!!

... بقي أن أخبرك بحوار طريف سمعته في أحد الأفلام الأمريكية:

تسأل الفتاة خطيبها: كيف تنعم بهذا الثراء وأنت لا تعمل أصلاً!؟

يرد عليها ببرود: هل تعرفين أغنية "هابي بيرثداي تو يوو"؟

فتجيبه بتهكم: وهل هناك من لا يعرفها في العالم..

يفاجئها بقوله: والدة جدتي لحنتها ومازلت أنا أستلم أموالاً طائلة كلما بثتها محطات الراديو...!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...