السبت، 31 أغسطس 2019

الحشرة التي هزمتنا


بعد نجاحها في شق قناة السويس، حاولت فرنسا شق قناة بنما ووصْل المحيط الأطلسي بالهادي. غير ان المستنقعات الراكدة في تلك المنطقة كانت مليئة بالبعوض الذي قتل آلاف الجنود والعمال بالملاريا والحمى الصفراء.. وحين تجاوزت أرقام الوفيات 22 ألفا اضطرت فرنسا للانسحاب من المشروع وبيع حقوقه للأمريكان عام 1883.

وبعد دراستهم لأسباب الفشل الفرنسي قرر الأمريكان البدء (قبل كل شيء) بتجفيف المستنقعات وقتل البعوض قبل إرسال العمال لبنما (ونجحوا فعلا في إكمال القناة عام 1910)!!

غير أن الأمريكان لم يكونوا دائما بهذا الذكاء؛ فخلال الحرب العالمية الثانية استولى اليابانيون على كل الجزر المعروفة بإنتاج نبتة الكينين في آسيا (وهي العلاج الوحيد للملاريا في ذلك الوقت) على أمل أن تقتل البعوضة اكبر قدر من الجنود الامريكان. وبالفعل نجحت خطتهم فقتلت البعوضة 500 ألف جندي امريكي بين عامي 1942 و1945 (وهو عدد يفوق بكثير من قتل بنيران الجيش الياباني)!!

وهاتان الواقعتان تثبتان القوة المخيفة لهذا المخلوق الضعيف.. فالتاريخ يثبت ان البعوضة (وليس جنكيز خان او هتلر وستالين) هي أعظم سفاح على مر العصور؛ فخلال المئة عام الماضية فقط قتلت البعوضة أكثر من الحربين العالميتين بعشر مرات.. وتقول منظمة الصحة العالمية ان البعوضة تقتل (من خلال الملاريا) 2.5 مليون انسان كل عام، وتصيب ملايين آخرين بأمراض خطيرة!!

وان عدنا الى البدايات المعروفة للانسان نكتشف ان البعوضة تسببت في مجازر حقيقية، وقتلت من البشر اكثر من أي حرب ضروس:

فخلال الخمس مئة الماضية قتلت البعوضة 24 مليون انسان في افريقيا، و36 مليونا في آسيا، و38 مليونا في الأمريكتين!!

وفي القرن الثالث قبل الميلاد لم تكن قوة في العالم تستطيع الوقوف امام جيش الاسكندر الاكبر. ولكن البعوضة استطاعت ذلك وقتلت الاسكندر الاكبر نفسه عام 323 ق.م!!

وفي عام 410 قضى البرابرة على الامبراطورية الرومانية وعاثوا في أوروبا فسادا. غير ان البعوضة كانت لهم بالمرصاد فقتلت منهم اعدادا كبيرة وقلصت نفوذهم الى حد كبير!!

وفي القرن الخامس عشر انتشرت الملاريا والحمى الصفراء في افريقيا فقتلت الملايين. وفي نفس الوقت نشطت حركة نقل العبيد الى الامريكتين فانتلقت الملاريا معهم وقضت على 60% من الهنود الحمر!!

وفي عام 1690 كان الفرنسيون في كندا يستعدون لحرب فاصلة مع الجيش البريطاني القادم من بربادوس. ولكن الحمى الصفراء كفتهم شر البريطانيين على بعد خمسين ميلا فقط!

وفي عام 1802 ارسل نابليون جيشا جبارا لتثبيت حق فرنسا في ولاية لويزيانا وقمع ثورة العبيد في تاهيتي غير ان البعوضة قتلت 29 الف جندي من اصل 33 الفاً ارسلهم نابليون!!

وخلال حرب فيتنام غرقت امريكا في مستنقع فيتنامي حقيقي تسبب بوفاة 53 جنديا من بين كل ألف.. وهذا النسبة تعني وفاة اكثر من 5000 جندي يوميا كمعدل يتجاوز بكثير من قتل برصاص الفيتناميين أنفسهم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...