الجمعة، 30 أغسطس 2019

المهنة: متنبئ بالسلوك


"محلل الشخصيات" خبير متخصص في علم النفس هدفه تحليل الشخصيات المعنية ومحاولة التنبؤ بما ستفعله مستقبلا.. أو فعلته في الماضي.. وهي مهمة دقيقة ظهرت أولاً في أروقة المخابرات الأمريكية قبل ان تنتشر في مراكز الشرطة للتنبؤ بمواصفات وشخصيات المجرمين. فالمخابرات الأمريكية استعانت (منذ الخمسينات) بعلماء النفس لتحليل شخصيات رؤساء العالم واستنتاج تصرفاتهم القادمة؛ فقد نجحت مثلا في التنبؤ بتقلص نفوذ ستالين في آخر أيامه، وبمن سيخلف بريجنيف بعد وفاته، والى متى سيتحمل جورباتشوف النزعة الانفصالية في الجمهوريات السوفيتية...

ويعد الرئيس السابق جمال عبدالناصر من أوائل الرؤساء العرب الذين أخضعوا لهذا النوع من التحليل وتولت لجنة خاصة متابعة حالته النفسية تحت إدارة ضابط يدعى ميلز كوبلند.. وقد وضع كوبلند كتابا بهذا الخصوص بعنوان: (لعبة الأمم) اعترف فيه برفع تقارير دورية عن حالة عبدالناصر النفسية وتصرفاته المتوقعة.. كما اعترف أن الزعماء العرب يملكون ملفات شخصية ضخمة في أروقة المخابرات الأمريكية بفضل بقائهم في الحكم لفترة طويلة توفر للخبراء فرصاً أفضل لتحليل نفسياتهم والتنبؤ بتصرفاتهم القادمة. وحسب قوله كان أضخم الملفات (وقت صدور الكتاب) عن صدام حسين، وحسني ومبارك، ومعمر القذافي، وعلي عبدالله صالح وإن كنت لا أعلم إن كانوا قد تنبأوا بسقوطهم أم لا...

ومن عالم المخابرات انتقل هذا التخصص الى عالم الجريمة ومحاولة استنباط شخصية المجرم من خلال تصرفاته.. ويحاول الخبير النفسي هنا دراسة دوافع الجاني ووضع تصور لشخصيته بل وهيئته وملامحه ومستواه التعليمي.. فلماذا مثلا يتخصص أحد المجرمين في قتل الأطفال فقط، ولماذا يختار آخر النساء البدينات دون غيرهن، ولماذا يعمد ثالث الى اغتصاب العجائز أو تعذيب المقعدات.. فبدراسة أسلوب المجرم (ونمط عمله) يستطيع المحلل استنتاج دوافعه والتنبؤ بخطواته القادمة ورسم صورة تقريبية لشخصيته وخلفيته العائلية والاجتماعية..

وكنت شخصيا من المتابعين لمسلسل بوليسي يدعى بروفايلر تلعب فيه احدى المتخصصات دور المتنبئ بشخصيات المجرمين ودوافعهم. ففي إحدى الجرائم مثلا وجدت أُماً شقراء وطفلتها الرضيعة مقتولتين في حي يعج بمروجي المخدرات. ولأن الأم نفسها كانت مدمنة ولأن المحققين وجدوا كيس مخدرات في سيارتها افترضوا أنها اختلفت مع أحد المروجين فقام بقتلها.. غير أن خبيرة الشخصيات في الشرطة اعترضت على هذا الاستنتاج وقالت إن الجريمة ذات طابع عائلي ولا تمت للمخدرات بصلة.. فقد ادعت ان القاتل هو أب الرضيعة وأنه رجل أسود (واستنتجت ذلك من ملامح الطفلة) ورجحت أن يكون متزوجا وله أطفال ويملك مهنة محترمة. فالمجرم عادة يترك الطفل الرضيع سليما حين يقتل أحد والديه لعمله أنه لا يستطيع الشهادة ضده. أما حين يتعمد قتل رضيع لاحول له ولا قوة فلأن له علاقة شخصية بالطفل يريد إخفاءها ويملك سمعة حسنة لا يود تشويهها بسببه.. وبما أن الأم الشقراء لم تكن أساسا متزوجة استنتجت محللة الشخصيات انها كانت على علاقة سرية برجل متزوج أنجبت منه الطفلة ثم بدأت تبتزه بها. وحين درست تاريخ الأم وجدت انها كانت بالفعل على علاقة بملازم أسود أثناء عملها بالبحرية انجبت منه الطفلة ثم بدأت تهدده بإخبار زوجته. وكي يضمن سكوتها الى الأبد طلب لقاءها في ذلك الحي المشبوه لتضليل الشرطة. وبعد قتلها مع الطفلة الرضيعة، رمى كيس المخدرات تحت قدميها.. بعد ذلك كان من السهل على رجال الشرطة الذهاب لمقر البحرية للقبض على الملازم سكوت!!

... ما كشفه الجاسوس سنودن عن رؤساء العالم لا يقل مهارة عن هذا التحليل!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...