الخميس، 29 أغسطس 2019

هل تختفي النظارات مستقبلاً؟


هذا ما توقعته قبل عشر سنوات حين بدأت عمليات تصحيح البصر في الانتشار.. ولكن، رغم دورها الكبير في الحد من ظاهرة "لبس النظارات" إلا أنها لم تنجح في القضاء عليها تماما..

ففي عائلتي كمثال كنا ستة إخوة نلبس ست نظارات، نجح أربعة منا في التخلص منها بفضل عمليات الليزك في حين بقي اثنان.. الأول (أنا) الذي حرمت منها بسبب عملية سابقة، في حين لا تملك "الثانية" الجراءة لإجراء عملية التصحيح ذاتها..

فشلت أنا لأنني كنت أقدَم شخص أجرى عملية تصحيح للبصر بطريقة الحفر القديمة (بالمشارط والأمواس التي تحفر في القرنية مباشرة). ورغم تحسن بصري بنسبة 65% إلا أن الثمن كان غاليا نسبيا. فاليوم أصبحت مصابا بجفاف دائم، ورؤية هالة كبيرة حول الأضواء الاصطناعية، وأملك قرنيتين ذات أخاديد اشعاعية تمنعني من إجراء أي عملية ليزر حديثة.. وهكذا عدت لصديقتي القديمة.. نظارتي الطبية التي أصبحت أقل سمكا..

فقد بدأت بلبسها في سن السادسة وفي وقت لم يكن في المدينة ورشة خاصة بصنع النظارات وفي وقت كان فيه الناس يصفون أصحاب النظارات بذوات الأربع عيون..

وذات يوم فقدت نظارتي فعشت شبه أعمى لمدة أسبوعين حتى وصلت "الجديدة" من جدة. ومن يومها أصبت بفوبيا (فقد النظارة) فأصبحت أحتاط بوجود أخريات وعدم رمي حتى القديم منها - وهكذا أصبحت أملك اليوم 63 نظارة طبية.. وهو كما ترى رقم يفوق النظارات التي يمتلكها مسؤولونا الكبار!!

أيضا كنت من الرواد الأوائل في تجربة العدسات حيث بدأت بذات الغطاء الشامل (التي تشبه قشرة العنب) والصغيرة القاسية (التي تشبه حبة العدس الصلبة) ثم العدسات اللينة والشفافة التي تنزع يوميا واسبوعيا وشهريا.. ولكنني في النهاية اعتزلتها كلها وعدت لنظاراتي القديمة..

كل هذا جعلني صاحب خبرة حقيقية في أنواع النظارات وطرق تصحيح البصر وتمارين العينين وأنواع القطرات وأدرك من أول نصيحة مدى خبرة الطبيب الواقف أمامي.. واليوم لم يعد أي بائع قادرا على خداعي سواء بقياس العدسة أو رقم السلندر أو مستوى التلوين أو نسبة الانضغاط أو حتى الPD..

على أي حال؛

طول العشرة مع النظارات يتيح لي إخباركم بما هو أهم بكثير من الPD أو المسافة الفاصلة بين بؤبؤ العينين.

إخباركم بحقيقة أن معظم الناس أيام طفولتي لم يكونوا فعلا يحتاجون للبس النظارات.. فقصر البصر كان في الماضي حالة مرضية نادرة قد لا يصاب بها سوى شخص أو شخصين في كل قرية. أما اليوم فتحول الى وباء عالمي تعاني منه نصف الشعوب الآسيوية وثلث الشعوب الأوروبية والأمريكية!

وتشير التقارير العالمية إلى أن قصر النظر ينتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم ووصل الى مستويات قياسية في بلدان مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية واليابان حيث يعاني منه 80% من الشباب.. فحتى خمسين عاما مضت كان 7% فقط من اليابانيين يعانون من قصر البصر أما اليوم فيلبس 65% منهم نظارات طبية. أما في مجتمعنا المحلي فيكفي القول ان السعودية برمتها لم يكن فيها قبل سبعين عاما طبيب عيون متخصص، ولم تكن النظارات معروفة في الحجاز إلا لدى الأشراف والسلاطين الأتراك!!

ورغم اعترافي بأن عمليات الليزر الحديثة حدت من استعمال النظارات (وقد تتسبب في اختفائها مستقبلا) إلا أن المتغيرات السابقة تؤكد استمرارية العلة التي تسببت فيها أصلا.. تؤكد أن انتشار الظاهرة، والفرق بين جيل الأجداد والأحفاد يوجهان أصابع الاتهام الى متغيرات الحياة الحديثة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...