السبت، 31 أغسطس 2019

كيف تقتل أفكارك الجميلة؟ (2-2)


استعرضنا في آخر مقال بعض النصائح المفيدة في قتل أفكارك الجميلة.. فبإضافة الى إمكانية قتلها بكثرة التمحيص، والتشكيك، واستشارة الخبراء، والتركيز على المال والمكسب، يمكنك أيضا قتلها من خلال:
الاستسلام للمعتاد وعدم التشكيك أو نقد ما أصبح مسلما وبدهيا حولك:

فالمجتمعات تتوارث الأفكار الخاطئة لقرون عديدة.. وبمرور الزمن تصبح من المقدسات التي لا يجوز التشكيك فيها أو حتى مناقشتها.. ولم تبدأ أوروبا نهضتها الحديثة إلا بعد أن تخلصت من أفكار الكنيسة ومسلمات الفلاسفة الإغريق (فطوال قرون مثلا لم يفكر أحد بالتأكد من فرضية افلاطون حول سقوط الأجسام بسرعة متفاوتة حتى جرب جاليليو رمي كرتين مختلفتين من فوق برج بيزا)!!
ولقتل أفكارك الإبداعية صدق أيضا أنها أفكار شيطانية تهدد كيان الثقافة والمجتمع:

.. فالمجتمع كتلة متماسكة، وأفكار راسخة، ومسلّمات موروثة ولا يتقبل الاستسلام بسهولة للأفكار الجديدة.. وفي حال أصررت على تبني ما يخالفه فلن تضمن الاتهام والتجريح ومخالفة المنهج الصحيح (والمدهش فعلا أن المجتمعات تتقبل بسهولة أكبر الأفكار الجديدة حين تظهر من غير أبنائها فقط، حتى قيل (لا كرامة لنبي في وطنه)!!
أيضا لقتل أفكارك الجميلة تعصب لما يوافق أفكارك، واقرأ ما يوافق ميولك فقط:

فحين تقرأ ما يوافق أفكارك تضمن عدم تعلمك أشياء جديدة.. وحين تتعصب لميولك تحتفظ بنظرتك الضيقة لما يجرى حولك. أما الأفكارالجريئة والانجازات العظيمة فطريقها (متعب وطويل) كونها تتطلب معرفتك لكافة الآراء، وتحليلك لمختلف الاتجاهات، وبحثك في "أشياء" تخالف ميولك وما نشأت عليه!
كما يمكنك قتل المزيد من أفكارك النيرة من خلال تمسكك بأول إجابة، وتقيدك بأول حل:

فمعظم الناس يفعلون ذلك .. يتمسكون بأول جواب يسمعونه أو يعثرون عليه وحين يجدون حلا قريبا لايفكرون بشيء آخر.. ولهذا السبب يتعلم العلماء والباحثون ضرورة التغلب على هذه النقيصة من خلال طرح فرضيات كثيرة واحتمالات متشعبة، ثم تجربته الواحد بعد الآخر للحصول على أفضل حل ممكن...
ومن المهم أيضا أن تفكر دائما بعقلانية ومنطق إن أردت قتل أفكارك الجميلة:

فهذا ما يفعله العقلاء من البشر.. أما المجانين أمثال نيوتن، وانشتاين، وأديسون، وبيل جيتس فلا يفكرون بغير تفاحات تسقط من الشجر، ومركبات تسافر للقمر، وآلات تسجل أصوات البشر، وبرامج الكترونية تطرد عنا الضجر!!
كما يمكنك قتل أفكارك الجميلة بالاستماع الى آراء الحاسدين والفاشلين ومن يغارون منك:

فالغيرة والحسد عادتان متأصلتان في الإنسان - ناهيك عن سهولة نقد وتسفيه أي شيئ مقابل صعوبة إبداع وإنجاز أي شيء.. ولأنه ما من انسان يسلم من تأثير الناس عاش معظم العباقرة حياة وحدة وانطواء وتقوقع على الذات (لدرجة عُدت العبقرية نوعا من التوحد الخفيف)!!

... باختصار:

إن كنت مصرا على قتل أفكارك الجميلة لا تفعل شيئا جديدا أو غريبا أو فريدا من نوعه..

لا تعرض نفسك للإحراج والانتقاد..

لا تتعب دماغك بالبحث والتفكير..

لا تختلف مع مجتمعك ومن يحاول إقناعك بأننا جميعنا سواسية و"أبناء تسعة"..

تخلص فقط من خطيئة الابداع وغادر كوكب الأرض دون إضافة حقيقية!؟

اسكن في الشطر الثاني من بيت المتنبي ولا تنم ليلة في الشطر الأول:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما لا يمكن قياسه لا يمكن الحكم عليه

ما لا يمكن قياسه؛ لا يمكن مراقبته، أو محاسبته، أو تطويـره أو الحكم عليه..  وبناء عليه؛ (ما لايمكن قياسه) يُـصبح عرضه للإهمال والفساد والتراج...